لأهله ، وذهب إلى الانتقال إليه (١) في شرابه ، وقال لصاحب المجلس : شاركني في نقلي هذا فإنه شريف المركّب (٢) بديع الصنعة ، فلمّا رآه الرجل أنكر صفته ، وعاب لحمه ، وسأله عنه ، فقال : هو البازي الذي كنت تعظم قدره ، ولا تصبر عنه وقد صيّرته إلى ما ترى ، فغضب صاحب المنزل حتى ربا في أثوابه ، وفارقه حلمه ، وقال له : قد كان والله أيها الكلب السفيه على ما قدرته وما اقتديت فيه إلّا بكبار الناس المؤثرين لمثله ، وما أسعفتك به إلّا معظما من قدرك ما صغّرت من قدري ، وأظهرت من هوان السنة عليك باستحلالك لسباع الطير المنهيّ عنها ، ولا أدع والله الآن تأديبك إذ أهملك أبوك معلّم الناس المروءة ، ودعا له بالسّوط ، وأمر بنزع قلنسوته ، وساط هامته (٣) مائة سوط ، فاستحسن جميع الناس فعله به وأبدوا الشّماتة به.
وكان محمد منهم مؤنثا ، وكان قاسم (٤) أحذقهم غناء مع تجويده ، وتزوّج الوزير هاشم بن عبد العزيز حمدونة.
وذكر عبادة الشاعر أن أول من دخل الأندلس من المغنين علون وزرقون ، دخلا في أيام الحكم بن هشام ، فنفقا عليه ، وكانا محسنين ، لكن غناؤهما ذهب لغلبة غناء زرياب عليه.
وقال عبد الرحمن بن الشمر منجم الأمير عبد الرحمن ونديمه في زرياب : [بحر الخفيف]
يا عليّ بن نافع يا عليّ |
|
أنت أنت المهذّب اللّوذعيّ |
أنت في الأصل حين يسأل عنه |
|
هاشميّ وفي الهوى عبشمي (٥) |
وقال ابن سعيد : وأنشد لزرياب والدي في معجمه : [بحر مجزوء الكامل]
علّقتها ريحانة |
|
هيفاء عاطرة نضيره |
بين السّمينة والهزي |
|
لة والطويلة والقصيرة |
لله أيام لنا |
|
سلفت على دير المطيره |
لا عيب فيها للمتي |
|
يم غير أن كانت يسيره |
انتهى.
__________________
(١) في ب ، ه «الانتقال عليه».
(٢) في أ : «الموكب».
(٣) ساطه : ضربه بالسوط.
(٤) في ب : «قاسمهم».
(٥) عبشمي : نسبة إلى عبد شمس ، وهو نحت.