أحد الأمرين هلكوا ، فقال بعض العلماء ، وأظنه ابن الشّحنة : دعوني أجبه ، وإلا هلكتم ، فتركوه ، فقال له : يا خوند ، هذا السؤال أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عنه ، فغضب [تيمور لنك] وقال : كيف يمكن أن يجيب عن هذا السؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن لم نكن في زمانه؟ أو كلاما هذا معناه ، فقال العالم المذكور : روينا في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليذكر ويرى مكانه ، فمن الذي في الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الّذي في الجنّة» أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فتعجب تيمور لنك من هذا الجواب المفحم المسكت ، وحقّ له أن يتعجب منه ، فإن هذا من الأجوبة التي يقل نظيرها ، وفيها المخلص على كل حال بالإنصاف ، وقد وفق الله تعالى هذا العالم لهذا الجواب حتى يتخلص على يده أولئك الأقوام من الطاغية الجبار العنيد الذي جعل الله تعالى فتنته في الإسلام وفتنة جنكزخان وأولاده من أعظم الفتن التي وهى بها المسلمون (١).
وذكر بعض العلماء أن ابن خلدون لما أقبل على تيمور لنك قال له : دعني أقبل يدك ، فقال : ولم؟ فقال له : لأنها مفاتيح (٢) الأقاليم ، يشير إلى أنه فتح خمسة أقاليم ، وأصابع يده خمسة : فلكل أصبع إقليم ، وهذا أيضا من دهاء ابن خلدون.
وقد كدنا نخرج عن المقصود في هذه الترجمة فلنصرف العنان ، والله سبحانه المستعان.
٢١١ ـ ومن الراحلين من الأندلس الإمام الحافظ أبو بكر بن عطية (٣) ، رحمه الله تعالى!
قال الفتح : شيخ العلم ، وحامل لوائه ، وحافظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم وكوكب سمائه ، شرح الله تعالى لحفظه صدره ، وطاول به عمره ، مع كونه في كل علم وافر النصيب ، مياسرا بالمعلّى والرقيب (٤) ، رحل إلى المشرق لأداء الفرض ، لابس برد من العمر الغض (٥) ، فروى وقيد ، ولقي العلماء وأسند ، وأبقى تلك المآثر وخلد ، نشأ في بيئة كريمة ، وأرومة من الشرف غير مرومة (٦) ، لم يزل فيها على وجه الزمان أعلام علم ، وأرباب مجد ضخم ، قد قيدت مآثرهم الكتب ، وأطلعتهم التواريخ كالشهب ، وما برح الفقيه أبو بكر يتسنم كواهل المعارف وغواربها ،
__________________
(١) وهى المسلمون : ضعفوا.
(٢) في ب ، ه : «لأنها مفتاح الأقاليم».
(٣) اسمه غالب بن عبد الرحمن بن عطية (قلائد العقيان ص ٢٠٧).
(٤) المياسر : لاعب الميسر ، والمعلى والرقيب : قد حان من قداح الميسر.
(٥) لابس برد من العمر الغض : كناية عن أنه في مقتبل العمر.
(٦) الأرومة : الأصل. وغير مرومة : لا يوصل إليها.