إلى فتحين في يوم؟ قد فرغنا من يوسف وصميل ، فلنقتل هذا الفتى المقدامة ابن معاوية ، فيصير الأمر لنا ، نقدم رجلا منّا ، ونحل عنه (١) المضرية ، فلم يجبه أحد لذلك ، وبلغ الخبر عبد الرحمن فأسرّها في نفسه إلى أن اغتاله بعد عام ، فقتله.
ولمّا انقضت الهزيمة أقام ابن معاوية بظاهر قرطبة ثلاثة أيام ، حتى أخرج عيال يوسف من القصر ، وعفّ ، وأحسن السيرة ، ولمّا حصل بدار الإمارة ، وحلّ محلّ يوسف ، لم يستقرّ به قرار من إفلات يوسف والصّميل ، فخرج في إثر عدوه واستخلف على قرطبة القائم بأمره أبا عثمان ، واستكتب كاتب يوسف أمية بن زياد ، واستنام إليه إذ كان من موالي بني أمية ، ونهض في طلب يوسف ، فوقع يوسف على خبره ، فخالفه إلى قرطبة ، ودخل القصر ، وتحصّن أبو عثمان خليفة عبد الرحمن بصومعة الجامع فاستنزله بالأمان ، ولم يزل عنده إلى أن عقد الصلح بينه وبين ابن معاوية ، وكان عقد الصلح المشتمل عليه وعلى وزيره الصّميل في صفر سنة ١٣٩ ، وشارطه على أن يخلّي بينه وبين أمواله حيثما كانت ، وأن يسكن بلاط الحر منزلة بشرقي قرطبة ـ على أن يختلف كلّ يوم إلى ابن معاوية ويريه وجهه ، وأعطاه رهينة على ذلك ابنه أبا الأسود محمد بن يوسف ، زيادة على ابنه عبد الرحمن الذي أسره ابن معاوية يوم الوقعة ، ورجع العسكران وقد اختلطا إلى قرطبة.
وذكر ابن حيان أن يوسف بن عبدالرحمن نكث (٢) سنة ١٤١ ، فهرب من قرطبة ، وسعى بالفساد في الأرض ، وقد كانت الحال اضطربت به في قرطبة ، ودسّ له قوم قاموا عليه في أملاكه ، زعموا أنه غصبهم إياها ، فدفع معهم إلى الحكام (٣) ، فأعنتوه ، وحمل عنه في التألم بذلك كلام رفع إلى ابن معاوية أصاب أعداء يوسف به السبيل إلى السعاية به والتخويف منه ، فاشتدّ توحّشه ، فخرج إلى جهة ماردة ، واجتمع إليه عشرون ألفا من أهل الشتات ، فغلظ أمره ، وحدّثته نفسه بلقاء ابن معاوية ، فخرج نحوه من ماردة ، وخرج ابن معاوية من قرطبة ، فبينما ابن معاوية في حصن المدوّر مستعدّا ، إذ التقى بيوسف عبد الملك بن عمر بن مروان صاحب إشبيلية ، فكانت بينهما حرب شديدة انكشف عنها يوسف بعد بلاء عظيم منهزما ، واستحرّ القتل (٤) في أصحابه ، فهلك منهم خلق كثير ، وسار يوسف لناحية طليطلة ، فلقيه في قرية من قراها عبد الله بن عمرو الأنصاري ، فلمّا عرفه قال لمن معه : هذا الفهري يفرّ ، قد
__________________
(١) في ب : «ونحل عنه هذه المضرية».
(٢) نكث : نكث العهد ، نقضه.
(٣) في المقتطفات : «إلى أحكام الحكام».
(٤) استحر القتل فيهم : كثر واشتد.