طليطلة وقال للصّميل : ما الرأي؟ فقال : بادره الساعة قبل أن يغلظ أمره ، فإنّي لست آمن عليك هؤلاء اليمانية لحنقهم علينا ، فقال له يوسف : أتقول ذلك؟ ومع من نسير إليه وأنت ترى الناس قد ذهبوا عنا؟ وقد أنفضنا (١) من المال ، وأنضينا الظهر (٢) ، ونهكتنا (٣) المجاعة في سفرتنا هذه ، ولكن نسير إلى قرطبة ، فنستأنف الاستعداد له ، بعد أن ننظر في أمره ويتبيّن لنا خبره ، فلعلّه دون ما كتب إلينا. فقال الصميل : الرأي ما أشرت به عليك ، وليس غيره ، وسوف تتبيّن غلطك فيما تنكبه ، ومضوا إلى قرطبة. وسار عبد الرحمن الداخل إلى إشبيلية ، وتلقّاه رئيس عربها أبو الصباح بن يحيى اليحصبي ، واجتمع الرأي على أن يقصدوا به دار الإمارة قرطبة ، فلمّا نزلوا بطشانة قالوا : كيف نسير بأمير لا لواء له ولا علم نهتدي إليه؟ فجاؤوا بقناة وعمامة ليعقدوها عليه ، فكرهوا أن يميلوا القناة لتعقد تطيّرا فأقاموها بين زيتونتين متجاورتين ، فصعد رجل فرع إحداهما فعقد اللواء والقناة قائمة ، كما سيأتي ، وحكي أنّ فرقدا العالم صاحب الحدثان مرّ بذلك الموضع ، فنظر إلى الزيتونتين ، فقال : سيعقد بين هاتين الزيتونتين لواء لأمير لا يثور عليه لواء إلّا كسره ، فكان ذلك اللواء يسعد به هو وولده من بعده ، ولمّا أقبل إلى قرطبة خرج له يوسف ، وكانت المجاعة توالت قبل ذلك ست سنين فأورثت أهل الأندلس ضعفا ، ولم يكن عيش عامّة الناس بالعسكر ما عدا أهل الطاقة مذ خرجوا من إشبيلية إلّا الفول الأخضر الذي يجدونه في طريقهم ، وكان الزمان زمان ربيع ، فسمّي ذلك العام عام الخلف ، وكان نهر قرطبة حائلا ، فسار يوسف من قرطبة وأقبل ابن معاوية على برّ إشبيلية والنهر بينهما ، فلمّا رأى يوسف تصميم عبد الرحمن إلى قرطبة رجع مع النهر محاذيا له ، فتسايرا والنهر حاجز بينهما ، إلى أن حلّ يوسف بصحراء الصارة غربي قرطبة ، وعبد الرحمن في مقابلته ، وتراسلا في الصلح ، وقد أمر يوسف بذبح الجزر (٤) ، وتقدم بعمل الأطعمة ، وابن معاوية آخذ في خلاف ذلك قد أعدّ للحرب عدّتها ، واستكمل أهبتها ، وسهر الليل كلّه على نظام أمره ، كما سنذكره ، ثم انهزم أهل قرطبة ، وظفر عبد الرحمن الداخل ، ونصر نصرا لا كفاء له (٥) ، وانهزم الصّميل ، وفرّ إلى شوزر من كورة جيّان ، وفرّ يوسف إلى جهة ماردة.
وذكر أن أبا الصّبّاح رئيس اليمانية قال لهم عند هزيمة يوسف : يا معشر يمن ، هل لكم
__________________
(١) أنفضنا من المال : أي لم يبق معنا منه شيء.
(٢) أنضينا الظهر : أي أتعبنا الدواب التي تحملنا وأنهكناها.
(٣) نهكتنا الجماعة : أجهدتنا وأضنتنا.
(٤) الجزر : جمع جزور وهو البعير ، أو هو الخاص بالجزر فقط ، والجزر الذبح.
(٥) لا كفاء له : لا شبيه له ، لا نظير له.