عبدالرحمن : ما اسمك؟ قال : تمام ، قال : وما كنيتك؟ قال : أبو غالب ، فقال : الله أكبر! الآن تمّ أمرنا وغلبنا بحول الله تعالى وقوته ، وأدنى منزلة أبي غالب لما ملك ، ولم يزل حاجبه حتى مات عبد الرحمن. وبادر عبد الرحمن بالدخول إلى المركب ، فلمّا همّ بذلك أقبل البربر فتعرّضوا دونه ، ففرقت فيهم من مال كان مع تمام صلات (١) على أقدارهم ، حتى لم يبق أحد حتى أرضاه ، فلمّا صار عبد الرحمن بداخل المركب أقبل عات منهم لم يكن أخذ شيئا فتعلّق بحبل الهودج يعقل المركب ، فحوّل رجل اسمه شاكر يده بالسيف ، فقطع يد البربري ، وأعانتهم الريح على التوجّه بمركبهم ، حتى حلّوا بساحل إلبيرة في جهة المنكّب ، وذلك في ربيع الآخر سنة ١٣٨ ، فأقبل إليه نقيباه أبو عثمان وصهره أبو خالد ، فنقلاه إلى قرية طرش (٢) منزل أبي عثمان ، فجاءه يوسف بن بخت ، وانثالت (٣) عليه الأموية ، وجاءه جدران بن عمرو المذحجي (٤) من أهل مالقة ، فكان بعد ذلك قاضيه في العساكر ، وجاءه أبو عبدة حسان بن مالك الكلبي من إشبيلية فاستوزره (٥) ، وانثال عليه الناس انثيالا ، فقوي أمره مع الساعات فضلا عن الأيام ، وأمدّه الله تعالى بقوّة عالية ، فكان دخوله قرطبة بعد ذلك بسبعة أشهر. وكان خبر دخوله للأندلس قد صادف صاحبها يوسف الفهري بالثغر ، وقد قبض على الحباب الزهري الثائر بسرقسطة ، وعلى عامر العبدري الثائر معه ، فبينما هو بوادي الرمل بمقربة من طليطلة وقد ضرب عنق عامر العبدري وابن عامر برأي الصّميل إذ جاءه قبل أن يدخل رواقه رسول يركض من عند ولده عبد الرحمن بن يوسف من قرطبة يعلمه بأمر عبد الرحمن ونزوله بساحل جند دمشق ، واجتماع الموالي المروانية إليه ، وتشوف (٦) الناس لأمره ، فانتشر الخبر في العسكر لوقته ، وشمت الناس بيوسف لقتله القرشيين عامرا وابنه ، وختره بعهدهما (٧) ، فسارع عدد كثير إلى البدار لعبد الرحمن الداخل ، وتنادوا بشعارهم ، وقوّضوا عن عسكره.
واتّفق أن جادت السماء بوابل (٨) لا عهد بمثله لما شاء الله تعالى من التضييق على يوسف ، فأصبح وليس في عسكره سوى غلمانه وخاصّته وقوم الصّميل قيس وأتباعه ، فأقبل إلى
__________________
(١) صلات : جمع صلة ، وهي الأعطية.
(٢) قرية طرش : هي قرية على الساحل الشرقي وتعد اليوم في مديرية مالقة.
(٣) انثالت : وفدت بكثرة.
(٤) في ب : «جدار بن عمرو المذحجي» وفي ابن عذاري «جدار» وفي أخبار مجموعة «جداد».
(٥) استوزره : جعله وزيرا.
(٦) تشوّف : تطلع.
(٧) ختر بعهده : نقضه.
(٨) الوابل : المطر الشديد القوي الكثير.