فكتب عنهم ، وقدم (١) بعلم كثير ، وكانت له حلقة بجامع قرطبة يسمع الناس فيها ، وهو يلبس الوشي الشامي ، إلى أن أوصى إليه الأمير عبد الرحمن بترك ذلك ، فتركه ، وتوفي بعد المائتين.
ومن شعره قوله : [بحر الكامل]
قال العذول : وأين قلبك؟ كلما |
|
رمت اهتداءك لم يزل متحيرا |
قلت : اتئد فالقلب أول خائن |
|
لما تغير من هويت تغيرا |
ونأى فبان الصبر عني جملة |
|
وبقيت مسلول العزاء كما ترى |
ومن ولده سعيد بن هشام ، وكان أديبا عالما فقيها ، رحم الله تعالى الجميع!.
ودخل دمشق وطنهم الأقدم وعاملها يومئذ للمعتصم بن الرشيد عمر بن فرج الرّخّجي ، فوافق دخوله إياها غلاء شديدا ومجاعة أشكت أهلها ، فضجوا إلى الرّخجي أن يخرج عنهم من عندهم من الغرباء القادمين عليهم من البلاد ، فأمر بالنداء في المدينة على كل من بها من طارىء وابن سبيل ليخرجوا عنها ، وضرب لهم أجلا ثلاثة أيام أوعد من تخلف منهم بعدها بالعقاب ، فابتدر الغرباء (٢) الخروج عنها ، وأقام دحّون لم يتحرك ، فجيء به إلى الرخّجي بعد الأجل ، فقال له : ما بالك عصيت أمري؟ أو ما سمعت ندائي؟ فقال له دحّون : ذلك النداء الذي وقفني ، فقال له : وكيف؟ فانتمى له ، فقال له الرخّجي : صدقت والله إنك لأحقّ بالإقامة فيها منا ، فأقم ما أحببت ، وانصرف إذا شئت.
وكان لدحّون هذا ابن يقال له بشر بن حبيب ، ويعرف بالحبيبي ، وهو من المشهورين بقرطبة ، وأمه المدنية الراوية عن مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه! وبنته عبدة بنت بشر مشهورة ، ولها رواية عنه ، رحم الله تعالى الجميع!.
١٨٣ ـ ومنهم بهلول بن فتح من أهل أقليش (٣) ، له رحلة حجّ فيها ، وكان رجلا صالحا خيرا ، حكى عن نفسه أنه رأى في منامه بعد قدومه من الحج كأنه بمكة وقائل يقول: انطلق بنا نصلّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فكنت أقول لرجل من جيراني بأقليش : يا أبا فلان انطلق بنا نصلّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول لي : لست أجد إلى ذلك سبيلا ، فكنت أتوجه وأصلي مع الناس والنبي صلى الله عليه وسلم إمامنا ، فلما سلم من الصلاة رجع إلي وقال لي : من أين أنت؟ قلت له : من الأندلس ، فكان يقول : من أي موضع؟ فكنت أقول : من مدينة أقليش ، فيقول لي : أتعرف أبا إسحاق البوّاني؟ فكنت أقول : هو جاري ، وكيف لا أعرفه؟ فيقول لي : أقرئه مني السلام.
__________________
(١) في ب : «وقفل بعلم كثير».
(٢) أوعد : هدد ، وابتدر : أسرع.
(٣) أقليش : مدينة بالأندلس من أعمال شنت برية (معجم البلدان ج ١ ص ٢٣٧).