قرب من السلطان إلى حين وفاته ، وبنى له دارا للحديث ، وهي الكاملية ببين القصرين ، فلم يزل يحدّث بها إلى أن مات.
وقد ذكرنا في ترجمة ابن دحية من هذا الكتاب شيئا من أحواله ، وأنّ الناس فيه معتقد ومنتقد ، وهكذا جرت العادة خصوصا في حقّ الغريب المنتسب للعلم : [بحر الوافر]
وعند الله تجتمع الخصوم
وممّن كان عليه لا له أبو المحاسن محمد بن نصر المعروف بابن عنين فإنه قال فيه (١) : [بحر السريع]
دحية لم يعقب فلم تعتزي |
|
إليه بالبهتان والإفك (٢) |
ما صحّ عند الناس شيء سوى |
|
أنك من كلب بلا شكّ |
هكذا ذكره ابن النجار ، وأطال في الوقيعة في أبي الخطاب بن دحية.
وقال الذهبي : قرأت بخطّ الضياء عندما ذكر ابن دحية أنه قال : لقيته بأصبهان ، ولم أسمع منه شيئا ، وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب ، وأنّ مشايخه كتبوا له جرحه وتضعيفه ، وقد رأيت أنا منه غير شيء ممّا يدلّ على ذلك ، وبسببه بنى السلطان الملك الكامل دار الحديث بالقاهرة وجعله شيخها ، وقد سمع منه الإمام أبو عمرو بن الصلاح الموطأ سنة نيّف وستمائة ، وأخبره به عن جماعة منهم أبو عبد الله بن زرقون.
وقال ابن واصل : كان أبو الخطاب ـ مع فرط معرفته بالحديث ، وحفظه الكثير منه ـ متّهما بالمجازفة في النقل ، وبلغ ذلك الملك الكامل ، فأمره أن يعلّق شيئا على كتاب الشّهاب» ، فعلّق كتابا تكلّم فيه على أحاديثه وأسانيده ، فلمّا وقف الملك الكامل على ذلك قال له بعد أيام : قد ضاع مني ذلك الكتاب ، فعلّق لي مثله ، ففعل ، فجاء في الثاني مناقضة للأول ، فعلم الملك الكامل صحة ما قيل عنه ، ونزلت مرتبته عنده ، وعزله عن دار الحديث أخيرا ، وولّى أخاه أبا عمر وعثمان.
وقال ابن نقطة : كان أبو الخطاب موصوفا بالمعرفة والفضل ، ولم أره ، إلّا أنه كان يدّعي أشياء لا حقيقة لها ؛ ذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام ـ وكان ثقة ـ قال : نزل عندنا ابن دحية
__________________
(١) انظر ديوان ابن عنين ص ٢٢٠.
(٢) دحية : صحابي ينسب إليه أبو الخطاب. وتعتزي : تنسب. والبهتان : الكذب وما لا أصل له. والإفك ، بالكسر : التقوّل.