الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي ببجاية عند صدوره في ربيع الأول سنة سبع وسبعين ، وقفل إلى بلده فلزم الانقطاع والانقباض عن الناس والإقبال على ما يعنيه ، وكان قد خطب به قبل رحلته ، وحكى التجيبي أن طلبة الإسكندرية تزاحموا عليه لسماع «التيسير» لأبي عمرو المقري منه بروايته عن ابن هذيل سماعا في سنة ثلاث وخمسين ، وصارت له بذلك عندهم وجاهة ، وبعد قفوله أصابه خدر منعه من التصرف ، وكان الصلاح غالبا عليه ، وتوفي غدوة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة ، وكانت جنازته مشهودة ، رحمه الله تعالى!.
١٩٥ ـ ومنهم الحسين بن أحمد بن الحسين بن حي ، التّجيبي ، القرطبي.
أخذ علم العدد والهندسة عن أبي عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن برغوث (١) ، وكان كلفا بصناعة التعديل ، وله زيج مختصر ذكره القاضي صاعد ونسبه ، وحكى أنه خرج من الأندلس في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة بعد أن نالته بها وبالبحر محن شداد ، ولحق بمصر ، ثم رحل عنها إلى اليمن ، واتصل بأميرها ، فحظي عنده ، وبعثه رسولا إلى القائم بأمر الله الخليفة ببغداد ، ونال هناك دنيا عريضة ، وتوفي باليمن بعد انصرافه من بغداد سنة ست وخمسين وأربعمائة ، رحمه الله تعالى!.
١٩٦ ـ ومنهم أبو يوسف حماد بن الوليد ، الكلاعي.
أخذ بقرطبة عن أبي المطرف القنازعي وغيره ، ورحل إلى المشرق ، وحدث بالإسكندرية فسمع منه بها يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن شبل شرح الاعتقاد من تأليفه ، ورسالة قمع الحرص ، وقصر الأمل ، والحث على العمل ، وذلك في سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، ولقيه هنالك أبو مروان الطّبني ، فسمع منه بعض فوائده.
١٩٧ ـ ومنهم أبو القاسم خلف بن فتح بن عبد الله بن جبير.
من أهل طرطوشة ، يعرف بالجبيري ، وهو والد أبو عبيد القاسم بن خلف الجبيري الفقيه ، وكانت له رحلة إلى المشرق ، ومعه رحل ابنه وهو صغير ، وكان من أهل العلم والنزاهة ، وعليه نزل القاضي منذر بن سعيد بطرطوشة في ولايته قضاء الثغور الشرقية ، قال أبو عبيد : نزل القاضي منذر بن سعيد على أبي بطرطوشة ، وهو يومئذ يتولى القضاء في الثغور الشرقية قبل أن يلي قضاء الجماعة بقرطبة ، فأنزله في بيته الذي كان يسكنه ، فكان إذا تفرغ نظر
__________________
(١) ابن برغوث : كان عالما بالرياضيات ، وخاصة الفلك. توفي سنة ٤٤٠ ه (انظر طبقات صاعد : ٧١).