خلوص الضمائر عن قود العساكر ، ونفّلنا (١) على أيدي قوّادنا ورجالنا من السّبايا والغنائم ما غدا ذكره في الآفاق كالمثل السائر (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)) [إبراهيم : ٣٤] وكيف يحصيها المحصي أو يحصرها الحاصر ، وحين أبدت لنا العناية الربانية وجوه الفتح سافرة المحيّا ، وانتشقنا نسائم النصر الممنوح عبقة الرّيّا ، استخرنا الله تعالى في الغزو بنفسنا ونعم المستخار ، وكتبنا بما قد علمتم إلى ما قرب من أعمالنا بالحضّ على الجهاد والاستنفار ، وحين وافى من خفّ للجهاد من الأجناد والمطوعين ، وغدوا بحكم رغبتهم في الثواب على طاعة الله مجتمعين ، خرجنا بهم ونصر الله تعالى أهدى دليل ، وعناية الله تعالى بهذه الفئة المفردة من المسلمين تقضي بتقريب البعيد من آمالنا وتكثير القليل ، ونحن نسأل الله تعالى أن يحملنا على جادّة الرضا والقبول ، وأن يرشدنا إلى طريق تقضي إلى بلوغ الأمنية والمأمول.
وهذه رسالة طويلة سقنا بعضها كالعنوان لسائرها.
ونال ابن الحكيم ـ رحمه الله تعالى! ـ من الرياسة والتحكم في الدولة ما صار كالمثل السائر ، وخدمته العلماء الأكابر ، كابن خميس وغيره ، وأفاض عليهم سجال خيره ، ثم ردت الأيام منه ما وهبت ، وانقضت أيامه كأن لم تكن وذهبت ، وقتل يوم خلع سلطانه ، ومثّل به سنة ٧٠٨ (٢) ، رحمه الله تعالى! وانتهب من أمواله وكتبه وتحفه ما لا يعلم قدره إلا الله تعالى ، أثابه الله تعالى بهذه الشهادة بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم.
٢٤٥ ـ ومن المرتحلين من الأندلس إلى المشرق الحافظ نجيب الدين أبو محمد عبد العزيز بن الأمير القائد أبي علي الحسن بن عبد العزيز بن هلال ، اللخمي ، الأندلسي.
ولد سنة ٥٧٧ تقريبا ، ورحل فسمع بمكة من زاهر بن رستم ، وببغداد من أبي بكر أحمد بن سكينة وابن طبرزد وطائفة ، وبواسط من أبي الفتح بن المنداني (٣) وبأصبهان من عين الشمس الثقفية وجماعة ، وبخراسان من المؤيد الطوسي وأبي روح وأصحاب الفراوي وهذه الطبقة ، وخطه مليح مغربي في غاية الدقة. وكان كثير الأسفار ، دينا متصوّفا كبير القدر ، قال الضياء في حقه : رفيقنا وصديقنا ، توفي بالبصرة عاشر رمضان سنة ٦١٧ ، ودفن إلى جانب قبر سهل التّستري رضي الله تعالى عنه! وما رأينا من أهل المغرب مثله ، وقال ابن نقطة : كان ثقة فاضلا ، صاحب حديث وسنة ، كريم الأخلاق ، وقال مفضل القرشي : كان كثير المروءة غزير
__________________
(١) نفّل القائد جنده : أعطاهم ما غنموه.
(٢) في أ : «٧٥٨».
(٣) في ج : «ابن الميداني».