وبالترب منها إذ كحلنا جفوننا |
|
شفينا فلا بأسا نخاف ولا كربا |
وحين تبدّى للعيون جمالها |
|
ومن بعدها عنا أديلت لنا قربا |
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة |
|
لمن حلّ فيها أن نلم به ركبا |
نسح سجال الدمع في عرصاتها |
|
ونلثم من حبّ لواطئه التربا (١) |
وإن بقائي دونه لخسارة |
|
ولو أن كفي تملأ الشرق والغربا |
فيا عجبا ممن يحب بزعمه |
|
يقيم مع الدعوى ويستعمل الكتبا |
وزلّات مثلي لا تعدد كثرة |
|
وبعدي عن المختار أعظمها ذنبا |
وخط الوزير ابن الحكيم في غاية الحسن ، وقد رأيته مرارا ، وملكت بعض كتبه ، ونثره ـ رحمه الله تعالى! ـ أعلى من شعره كما نبه عليه لسان الدين في الإحاطة.
ومن نثره في رسالة طويلة كتبها عن سلطانه ، ما صورته : وقد تقرر عند الخاص والعام ، من أهل الإسلام. واشتهر في آفاق الأقطار ، اشتهار الصباح في سواد الظلام. أنا لم نزل نبذل جهدنا في أن تكون كلمة الله هي العليا ، ونسمح في ذلك بالنفوس والأموال رجاء ثواب الله لا لعرض الدنيا. وأنا ما قصرنا في الاستنفار والاستنصار ، ولا أقصرنا عن الاعتضاد (٢) بكل من أملنا معاملته والاستظهار. ولا اكتفينا بمطوّلات الرسائل وبنات الأفكار (٣) حتى اقتحمنا بنفسنا لجج البحار ، فسمحنا بالطارف من أموالنا والتّلاد ، وأعطينا رجاء نصرة الإسلام موفور الأموال والبلاد ، واشترينا بما أنعم الله به علينا ما فرض الله على كافة أهل الإسلام من الجهاد ، فلم يكن بين تلبية المدعوّ وزهده ، ولا بين قبوله ورده ، إلا كما يحسو الطائر ماء الثماد ، ويأبى الله أن يكل نصرة الإسلام بهذه الجزيرة إلى سواه ، ولا يجعل فيها شيئا (٤) إلا لمن أخلص لوجهه الكريم علانيته ونجواه ، ولما أسلم الإسلام بهذه الجزيرة الغريبة إلى مناويه ، وبقي المسلمون يتوقعون حادثا ساءت ظنونهم لمباديه ، ألقينا إلى الثقة بالله تعالى يد الاستسلام ، وشمرنا عن ساعد الجد في جهاد عبدة الأصنام ، وأخذنا بمقتضى قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ١٩٥] أخذ الاعتزام ، فأمدّنا الله تعالى في ذلك بتوالي البشائر ، ونصرنا بألطاف أغنى فيها
__________________
(١) نسح الدمع : نجعله يسيل. والسجال : جمع سجل ، وهو الدلو. وعرصات الدار : جمع عرصة ، وهي ساحة الدار ، أو بقعة واسعة بين الدور.
(٢) الاعتضاد : الاستعانة.
(٣) في أ : «وبنات الأرسال».
(٤) في ه : «ولا يجعل فيها سببا». وفي الإحاطة : وأن يجعل فيها شيئا.