وطريق الأولياء العقلاء بالحق مع الصدق ، معارضا للولاة ، وكان يرى أن لا يقدم الشهود إلا عند الحاجة ، وأما إن حصل من تحصل به الكفاية فلا يقدم غيره ، ويرى أن الكثرة مفسدة ، وقد طلب منه الملك أن يقدم رجلا من أهل بجاية ، فقال له مشافهة : إن شئتم قدمتموه وأخرتموني (١) وكان إذا جرى الأمر في مجرى الشهادة وما قاله القاضي ابن (٢) العربي أبو بكر وغيره من أنها «قبول قول الغير على الغير بغير دليل» يرى أن هذا من الأمر العظيم الذي لا يليق أن يمكن منه إلا الآحاد الذين تبيّن فضلهم في الوجود ، وكان يرى أن جنايات الشاهد إنما هي في صحيفة من يقدمه من باب قوله عليه الصلاة والسلام : «من سنّ سنّة حسنة ، ومن سنّ سنّة سيّئة» وقد سئل : من أولياء الله؟ فقال : شهود القاضي ، لأنهم لا يأتون كبيرة ، ولا يواظبون على صغيرة ، وإن كانت الشهادة على هذه الصفة فلا شيء أجل منها ، وإن كانت خطة لا صفة فلا شيء أخس منها ، ولما كانت واقعة ابن (٣) مرين بطنجة عرض عليه أهلها أن يتقدم وأن يبايعوه ، فقال : والله لا أفسد ديني ، ولما توفي عجز القاضي الذي تولى بعده عن سلوك منحاه ، واقتفاء سننه الذي اقتفاه ، قال هذا كله بمعناه وبعضه بحروفه الغبرينيّ في «عنوان الدراية في علماء بجاية».
٢٤٣ ـ ومنهم محمد بن يحيى الأندلسي ، اللبسي ـ بلام فموحدة فسين ـ قاضي القضاة ، أخذ عن الحافظ ابن حجر (٤) ، ونوّه به عند الأشراف (٥) ، حتى ولاه قضاء المالكية بحماة ، وسار سيرة السلف الصالح ، ثم حنق على نائبها في بعض الأمور ، وسافر إلى حلب مظهرا إرادة السماع على حافظها البرهان.
ووصفه ابن حجر في بعض مجاميعه بقوله : الشيخ ، الإمام ، العالم ، العلامة في الفنون ، قاضي الجماعة. وقال : إنه إنسان حسن إمام في علوم منها الفقه والنحو وأصول الدين ، يستحضر علوما كأنها بين عينيه ، ووصفه أيضا بعلامة دهره ، وخلاصة عصره ، وعين زمانه ، وإنسان أوانه ، جامع العلوم ، وفريد كل منثور ومنظوم ، قاضي القضاة ، لا زالت رايات الإسلام
__________________
(١) في ج : «قدمتموه وأخرتموه» وهو تحريف.
(٢) في ب : «القاضي ابن العربي» ..
(٣) في أ ، ه : «مزين» وقد أثبتنا ما في ب.
(٤) الحافظ ابن حجر هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني الشافعي ، المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة القاهري. ولد سنة ٧٧٣ ه. وتوفي ٨٥٢ ه (انظر مقدمة تهذيب التهذيب تأليف ابن حجر ط. دار الفكر / بيروت ص ١).
(٥) في ب : «عند الأشرف».