سنة تسع وعشرين ومائة ، فدانت له تسع سنين وتسعة أشهر ، وعنه كما مرّ انتقل سلطانها إلى بني أمية ، واستفحل ملكهم بها إلى بعد الأربعمائة ، ثم انتثر سلكهم (١) ، وباد ملكهم ، كما وقع لغيرهم من الدول في القرون السالفة ، سنّة الله التي قد خلت في عباده.
وكانت مدة الأمراء قبل عبد الرحمن الداخل من يوم فتحت الأندلس إلى هزيمة يوسف الفهري والصميل ستا وأربعين سنة وشهرين وخمسة أيام ؛ لأن الفتح كان حسبما تقدّم لخمس خلون من شوّال سنة اثنتين وتسعين ، وهزيمة يوسف يوم الأضحى لعشر خلون من ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين ومائة ، والله غالب على أمره.
وحكي أن عبد الرحمن بن معاوية دخل يوما على جدّه هشام ، وعنده أخوه مسلمة بن عبد الملك ، وكان عبد الرحمن إذ ذاك صبيّا ، فأمر هشام أن ينحّى عنه ، فقال له مسلمة : دعه يا أمير المؤمنين ، وضمّه إليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، هذا صاحب بني أمية ، ووزرهم (٢) عند زوال ملكهم ، فاستوص به خيرا ، قال : فلم أزل أعرف مزية من جدي من ذلك الوقت.
وكان الداخل يقاس بأبي جعفر المنصور في عزمه وشدّته وضبط المملكة ، ووافقه في أن أمّ كلّ منهما بربرية ، وأنّ كلّا منهما قتل ابن أخيه ، إذ قتل المنصور ابن السفاح ، وقتل عبد الرحمن ابن أخيه المغيرة بن الوليد بن معاوية.
ومن شعر عبد الرحمن وقد رأى نخلة برصافته (٣) : [بحر الطويل]
تبدّت لنا وسط الرّصافة نخلة |
|
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل |
فقلت شبيهي في التغرّب والنّوى |
|
وطول اكتئابي عن بنيّ وعن أهلي |
نشأت بأرض أنت فيها غريبة |
|
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي (٤) |
سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي |
|
يصحّ ويستمري السّماكين بالوبل (٥) |
وكان نقش خاتمه «بالله يثق عبد الرحمن ، وبه يعتصم». وأشاع سنة ١٦٣ الرحيل إلى الشام لانتزاعها من بني العباس ، وكاتب جماعة من أهل بيته ومواليه وشيعته ، وعمل على أن يستخلف ابنه سليمان بالأندلس في طائفة ، ويذهب بعامة من أطاعه ، ثم أعرض عن ذلك بسبب
__________________
(١) انتثر سلكهم : ضعفوا وباد ملكهم ، واندثرت قوتهم.
(٢) الوزر ، بفتح الواو والزاي : الملجأ والحصن. وفي ب : ووزرهم (بالنصب).
(٣) انظر ابن عذاري ٢ / ٦٢. والحلة السيراء : ٣٧.
(٤) المنتأى : البعد.
(٥) الوبل : المطر الغزير.