في شهر رمضان سنة ست عشرة ومائة ، قال : وكان ظلوما في سيرته ، جائرا في حكومته ، وغزا أرض البشكنس فأوقع بهم. وذكر ابن بشكوال أنه لمّا عزل وولي عقبة بن الحجاج وثب ابن قطن عليه فخلعه ، لا أدري أقتله أم أخرجه ، وملك الأندلس بقية إحدى وعشرين ومائة إلى أن رحل بلج بن بشر بأهل الشام إلى الأندلس ، فغلبه عليها ، وقتل عبدالملك بن قطن ، وصلب في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين ومائة بعد ولاية بلج بعشرة أشهر ، وصلب بصحراء ربض قرطبة (١) بعدوة النهر حيال رأس القنطرة ، وصلبوا عن يمينه خنزيرا وعن يساره كلبا ، وأقام شلوه (٢) على جذعه إلى أن سرقه مواليه بالليل وغيّبوه ، فكان المكان بعد ذلك يعرف بمصلب ابن قطن. فلمّا ولي ابن عمّه يوسف بن عبد الرحمن الفهري استأذنه ابنه أمية بن عبد الملك ، وبنى فيه مسجدا نسب إليه ، فقيل : مسجد أمية ، وانقطع عنه اسم المصلب ، وكان سنّ عبدالملك عند مقتله نحو التسعين ، وذكر ابن بشكوال أن عقبة بن الحجاج السلولي ولّاه عبيد الله بن الحبحاب صاحب إفريقية الأندلس ودخلها سنة سبع عشرة ومائة ، وقيل : في السنة التي قبلها ، فأقام بها سنين محمود السيرة ، مثابرا على الجهاد ، مفتتحا للبلاد ، حتى بلغ سكنى المسلمين أربونة ، وصار رباطهم على نهر ردونة ، فأقام عقبة بالأندلس سنة إحدى وعشرين ومائة ، وكان قد اتّخذ بأقصى ثغر الأندلس الأعلى مدينة يقال لها أربونة كان ينزلها للجهاد ، وكان إذا أسر الأسير لم يقتله حتى يعرض عليه الإسلام ويبيّن له عيوب دينه ، فأسلم على يده ألفا رجل ، وكانت ولايته خمس سنين وشهرين. قال الرازي : فثار أهل الأندلس بعقبة ، فخلعوه في صفر سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام بن عبدالملك ، وولّوا على أنفسهم عبدالملك بن قطن ، وهي ولايته الثانية ، فكانت ولاية عقبة الأندلس ستة أعوام وأربعة أشهر ، وتوفي في صفر سنة ١٢٣ ، وسريره قرطبة.
٢٧ ـ ٣١ ـ ومن الداخلين إلى الأندلس بلج بن بشر بن عياض القشيري.
قال ابن حيان : لمّا انتهى إلى الخليفة هشام بن عبد الملك ما كان من أمر خوارج البربر بالمغرب الأقصى والأندلس وخلعهم لطاعته وعيثهم في الأرض (٣) شقّ عليه فعزل عبيد الله بن الحبحاب عن إفريقية ، وولّى عليها كلثوم بن عياض القشيري ، ووجّه معه جيشا كثيفا لقتالهم ، كان فيه مع ما انضاف إليه من جيوش البلاد التي صار عليها سبعون ألفا ، ومع ذلك فإنه لمّا تلاقى مع ميسرة البربري المدّعي للخلافة هزمه ميسرة وجرح كلثوم ولاذ بسبتة ، وكان بلج ابن
__________________
(١) ربض المدينة : سورها. أو ناحية المدينة وضاحيتها.
(٢) الشلو : العضو ، أو كل مسلوخ أخذ منه شيء وبقيت أشياء ، وجمعه أشلاء ، وأراد هنا الجثة.
(٣) عاث في الأرض ، عيثا وعيوثا وعيثانا : أفسد.