أخيه معه ، فقامت قيامة هشام لمّا سمع بما جرى عليه ، فوجّه لهم حنظلة بن صفوان فأوقع بالبربر وفتح الله تعالى على يديه. ولمّا اشتدّ حصار بلج وعمّه كلثوم ومن معهما من فلّ أهل الشام (١) بسبتة وانقطعت عنهم الأقوات وبلغوا من الجهد إلى الغاية استغاثوا بإخوانهم من عرب الأندلس ، فتثاقل عنهم صاحب الأندلس عبد الملك بن قطن لخوفه على سلطانه منهم ، فلمّا شاع خبر ضرهم عند رجال العرب أشفقوا عليهم ، فأغاثهم زياد بن عمرو اللخمي بمركبين مشحونين ميرة (٢) أمسكا من أرماقهم (٣) ، فلمّا بلغ ذلك عبد الملك بن قطن ضربه سبعمائة سوط ، ثم اتّهمه بعد ذلك بتغريب الجند عليه (٤) ، فسمل عينيه (٥) ، ثم ضرب وصلب عن يساره كلبا ، واتفق في هذا الوقت أنّ برابر الأندلس لمّا بلغهم ما كان من ظهور برابر العدوة على العرب انتقضوا على عرب الأندلس ، واقتدوا بما فعله إخوانهم ، ونصبوا عليهم إماما ، فكثر إيقاعهم بجيوش ابن قطن ، واستفحل أمرهم ، فخاف ابن قطن أن يلقى منهم ما لقي العرب ببرّ العدوة من إخوانهم ، وبلغه أنهم قد عزموا على قصده ، فلم ير أجدى من الاستعداد بصعاليك عرب الشام أصحاب بلج الموتورين ، فكتب لبلج وقد مات عمّه كلثوم في ذلك الوقت ، فأسرعوا إلى إجابته ، وكانت أمنيتهم ، فأحسن إليهم ، وأسبغ النعم عليهم ، وشرط عليهم أن يأخذ منهم رهائن ، فإذا فرغوا له من البربر هزمهم إلى إفريقية ، وخرجوا له عن أندلسه ، فرضوا بذلك ، وعاهدوه عليه ، فقدّم عليهم وعلى جنده ابنيه قطنا وأمية ، والبربر في جموع لا يحصيها غير رازقها ، فاقتتلوا قتالا صعب فيه المقام ، إلى أن كانت الدائرة على البربر ، فقتلتهم العرب بأقطار الأندلس حتى ألحقوا فلّهم بالثغور ، وخفوا عن العيون ، فكرّ الشاميون وقد امتلأت أيديهم من الغنائم ، فاشتدّت شوكتهم ، وثابت همتهم (٦) ، وبطروا ، ونسوا العهود ، وطالبهم ابن قطن بالخروج عن الأندلس إلى إفريقية ، فتعلّلوا عليه ، وذكروا صنيعه بهم أيام انحصارهم في سبتة ، وقتله الرجل الذي أغاثهم بالميرة ، فخلعوه ، وقدّموا على أنفسهم أميرهم بلج بن بشر ، وتبعه جند ابن قطن ، وحملوا عليه في قتل ابن قطن ، فأبى فثارت اليمانية وقالوا : قد حميت لمضرك ، والله لا نطيعك ، فلما خاف تفرّق الكلمة أمر بابن قطن فأخرج إليهم وهو شيخ كبير كفرخ نعامة قد حضر وقعة الحرّة مع أهل اليمامة ، فجعلوا يسبّونه ، ويقولون له : أفلتّ من
__________________
(١) الفل : الجماعة المنهزمون ، وجمعه فلول وأفلال.
(٢) الميرة : الطعام.
(٣) الأرماق : جمع رمق ، وهو بقية الروح.
(٤) في ب «بتضريب الجند عليه».
(٥) سمل عينيه : فقأهما بحديدة محمّاة.
(٦) ثابت همتهم : عادت.