يسمّيه الكوكب ، فقال له : إنّ فرسي هذا قلق تحتي ، لا يمكنني من الرمي ، فقدّم إلي بغلك المحمود أركبه ، فقدّمه ، فلمّا ركب اطمأنّ أصحابه ، وقال عبد الرحمن لأصحابه : أي يوم هذا؟ قالوا : الخميس يوم عرفة ، فقال : فالأضحى غدا يوم الجمعة ، والمتزاحفان أموي وفهري ، والجندان قيس ويمن ، قد تقابل الأشكال جدا ، وأرجو أنه أخو يوم مرج راهط (١) ، فأبشروا وجدّوا ، فذكرهم يوم مرج راهط الذي كانت فيه الوقعة بين جدّه مروان بن الحكم وبين الضحاك بن قيس الفهري ، وكانت يوم جمعة ويوم أضحى ، فدارت الدائرة لمروان على الضحاك ، فقتل الضحاك ، وقتل معه سبعون ألفا من قبائل قيس وأحلافهم ، وقيل : إنه لم يحضر مرج راهط من قيس مع مروان غير ثلاثة نفر : عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري ، وابن هبيرة المحاربي ، وصالح الغنوي ، وكذا لم يحضر مع عبد الرحمن الداخل يوم الصّارة غربي قرطبة من قيس غير ثلاثة : جابر بن العلاء بن شهاب ، والحصين بن الدجن ، العقيليان ، وهلال بن الطفيل العبدي ، وكان الظفر لعبد الرحمن ، وانهزم يوسف ، وصبر الصّميل بن حاتم بعده معذرا وعشيرته يحفونه ، فلمّا خاف انهزامهم عنه تحوّل على بغله الأشهب معارضة لعبد الرحمن الداخل ، فمرّ به أبو عطاء فقال له : يا أبا جوشن ، احتسب نفسك ، فإنّ للأشباه أشباها : أموي بأموي ، وفهري بفهري ، وكلبي بكلبي ، ويوم أضحى بيوم أضحى ، ويمني بقيسي ، والله إنّي لأحسب هذا اليوم بمثل مرج راهط سواء ، فقال له الصّميل ، كبرت وكبر علمك ، الآن تنجلي الغمّاء ، وسحرك منتفخ (٢) ، فانثنى أبو عطاء لوجهه منقلبا ، وانهزم الصّميل ، وملك عبد الرحمن قرطبة.
ويوسف الفهري هو ابن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري ، باني القيروان ، وأمير معاوية على إفريقية والمغرب ، وهو مشهور.
وأما الصّميل فهو ابن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن ، وقيل : الصميل بن حاتم بن عمرو بن جندع بن شمر بن ذي الجوشن ، كان جدّه شمر من أشراف الكوفة وهو أحد قتلة الحسين ، رضي الله تعالى عنه! ودخل الصّميل الأندلس حين دخل كلثوم بن عياض المغرب غازيا ، وساد بها ، وكان شاعرا كثير السكر أمّيّا لا يكتب ، ومع ذلك فانتهت إليه في زمانه رياسة العرب بالأندلس ، وكان أميرها يوسف الفهري كالمغلوب معه ، وكانت ولاية الفهري الأندلس
__________________
(١) معركة مرج راهط : كانت بين مروان بن الحكم والضحاك بن قيس الفهري في الشام ، وانتصر فيها مروان بن الحكم.
(٢) السحر : الرئة. وانتفخ سحره : كناية عن العجب بالنفس.