٨٥ ـ ومنهم تقي الدين محمد ابن الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن الغرس(١)، الحنفي ، المصري.
قال الوادي آشي فيه : إنه من أعيان مصر ، قال : وسألته هل يقع بين أهل مصر تنازع في تفضيل بعض المذاهب على بعض؟ فأجابني بأنّ هذا لا يقع عندهم بين أهل الرسوخ في العلم ، وذوي المعرفة والفهم ، وإنما يصدر هذا بين الناشئين قال : وللحنفية الظهور عليهم حين يقولون لهم : لنا عليكم اليد الطولى في الخبز ، لكونه بمصر يطبخ في الفرن بأرواث الدواب ، وكذلك تسخين الحمام ، فإنّ المالكية وغيرهم بمصر يقلّدون الحنفية في ذلك ، قال : وسألته ، حفظه الله تعالى : هل للوباء بمصر وقت معلوم؟ فقال لي : جرت العادة عندهم بقدر الله تعالى وسرّه في خليقته أنّ كلّ سنة أولها ثاء مثلثة (٢) يكون فيها الوباء ، والله تعالى أعلم ، وأنّ هذا متعارف عندهم ، هكذا قال لي ، وعيب ما يقع من بعض النقاد بتونس وما يصدر عنهم بكثرة من إلقائهم الأسئلة العويصة (٣) في أصول الدين وغيرها على من يرد عليهم قصدا في تعجيزه وتعنيته ، ثم قال : إنّ من المنقول عن الإمام أبي حنيفة ، رحمه الله تعالى ، أنّ من حفظت عنه تسعة وتسعون خصلة تقتضي الكفر وواحدة تقتضي الإيمان أنّ الواحدة المقتضية للإيمان تغلب وتبقى حرمتها عليه ، انتهى.
وقد ذكرنا في الباب الأول من هذا القسم حكاية البصري المغني القادم من المشرق من البصرة على عبد الوهاب الحاجب بإفريقية في دولة بني المعز بن باديس ، وسردنا دخوله عليه في مجلس أنسه ، وما اتّفق في ذلك له معه ، وأنه وصف له بلاد الأندلس وحسنها وطيبها ، فارتحل المغني إليها ، ومات بها ، حسبما لخصناه من كلام الكاتب ابن الرقيق (٤) الأديب المؤرخ في كتابه «قطب السرور» ولو لا أنه لم يسمّ المغني المذكور لجعلنا له ترجمة في هذا الباب ، إذ هو به أليق ، والأمر في ذلك سهل ، والله تعالى الموفّق للصواب.
٨٦ ـ ومنهم الولي الصالح العارف بالله سيدي يوسف الدمشقي ، رضي الله تعالى عنه!
وهو كما قال ابن داود من كبار الأولياء ، شاذلي الطريقة ، قدم من المشرق إلى الأندلس ،
__________________
(١) في ه : «ابن الفرس».
(٢) أي سنة ثنتين ، وثلاث ، وثمان ، وثتنا عشرة ، وثلاث عشرة ، وثمان عشرة وهكذا.
(٣) العويصة : الصعبة.
(٤) انظر ص ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧.