الإنشاء وأين من يعرفه ، فوجدته ألطف من اسمه ، وأحسن من الدرر في نظمه ، وأطيب من الورد عند شمه ، هبّت على رياض فصوله نسيم صباها ، ففاقت الأزهار في رباها ، وتشوفت (١) قلوب الأدباء إلى انتشاق شذاها وطيب ريّاها ، وفاضت عليه أنوار البدر فأغنى سناها (٢) ، عن الشمس وضحاها ، وتحلّت نحور البلغاء من كلامه بالدر اليتيم ، ومن معانيه بالعقد النظيم ، وترنّحت أفنان فنون الفصاحة لما هب عليها ذلك النسيم ، كل فصل له في الفضل أسلوب على بابه ، وطريق انفرد به منشئه محاسن لا توجد إلا في كتابه ، صدر هذا الكتاب عن علم سابق ، وفكر ثاقب وذهن رائق ونفس صادق ، وروية ملأت تصانيفها المغارب والمشارق ، وقريحة إذا ذقت جناها ، وشمت (٣) سناها ، تذكرت ما بين العذيب وبارق (٤) فالله تعالى يبقي مصنفه قبلة لأهل الأدب ويديمه ، ويبلغه من سعادة الدنيا والآخرة ما يرومه ، بمنه وكرمه ، انتهى.
وقرظ عليه بعضهم بقوله : وقف المملوك سليمان بن داود المصري على فصول الحكم (٥) من هذه الفصول ، ووجد من نسيم الصبا أمارات القبول ، ونزه طرفه في رياض هذا الكتاب ، وخاطب فكره العقيم في وصفه فعجز عن رد الجواب : [بحر الكامل]
ما ذا أقول وكلّ وصف دونه |
|
أين الحضيض من السّماك الأعزل |
يا لها كلمات نقصت قدر الأفاضل ، وفضحت فصحاء الأوائل ، وسحبت ذيل الفصاحة على سحبان وائل ، وزادت في البلاغة على فريد ، وغيرت حال القدماء فما عبد الرحيم الفاضل وما عبد الحميد (٦) ، وذلت لها تشبيهات ابن المعتز طوعا ، وملكت زمام البيان فما تركت للبديع منه نوعا : [بحر الكامل]
قطف الرجال القول حين نباته |
|
وقطفت أنت القول لما نوّرا (٧) |
وخطاب أعجز الخطباء وصفه ، وجواب ألغى البلغاء رصفه ، وغرائب تعرّفت بمبديها ، وشوارد تألفت بمهديها ، وجنان بلاغة لم يطمث أبكارها إنس قبلك ولا جان ، ولم يقطف
__________________
(١) في ب ، ه : «وتشوقت» وكلا المعنيين ، وما أثبتناه ، وما في ب ، ه رائع جميل.
(٢) السنا : النور.
(٣) شمت : نظرت.
(٤) العذيب وبارق : مكانان.
(٥) في ه : «فصوص الحكم».
(٦) عبد الحميد : هو عبد الحميد الكاتب ، كاتب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.
(٧) نوّر : أزهر ، والنّور : الزهر.