وكان فقيها على مذهب الشافعي ، عارفا بالأصول والتصوّف ، زاهدا ، ورعا ، كثير المعروف والصدقة ، يعظ الناس ، ويسمع الحديث ، ولم يكن بالضابط فيما قاله الحافظ ابن الأبار ، قال : وله كتاب «الروضة الأنيقة» من تأليفه ، حدّث عنه جماعة من الجلّة (١) ، منهم أبو جعفر بن عميرة الضبي (٢) ابنا حوط الله أبو محمد وأبو سليمان ، وأبو القاسم الملاحي ، وأبو العباس بن الجيار ، وأبو الربيع بن سالم ، وقال : أنشدني عند توديعي إيّاه بغرناطة قال : سمعت بعض المذكورين ينشد : [بحر السريع]
يا زائرا زار وما زارا |
|
كأنه مقتبس نارا (٣) |
مرّ بباب الدار مستعجلا |
|
ما ضرّه لو دخل الدارا |
نفسي فداء لك من زائر |
|
ما زار حتى قيل قد سارا |
وسمع منه أبو جعفر بن الدلال كتاب «المعالم» للخطّابي في شرح «سنن أبي داود» بقراءة جميعه عليه.
ومولده في شوال سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وتوفي بغرناطة بعد أن سكنها يوم الاثنين سادس شوّال سنة ثمان وستمائة ، قال ابن الأبار : وفي هذا اليوم بعينه كانت وفاة شيخنا أبي عبد الله بن نوح ببلنسية ، رحمهما الله تعالى!.
٥٧ ـ ومن الوافدين من المشرق إلى الأندلس إسماعيل بن عبد الرحمن بن علي ، القرشي.
من ذرّيّة عبد بن زمعة أخي سودة أم المؤمنين ، رضي الله تعالى عنها!.
رحل من مصر إلى الأندلس في زمن السلطان الحكم المستنصر بالله أعوام الستين وثلاثمائة حين ملك بنو عبيد مصر وأظهروا فيها معتقدهم الخبيث ، فحلّ يومئذ من الحكم المستنصر محلّ الرحب والسعة ، ولمّا ثارت الدولة العامرية أوى إلى إشبيلية ، وأوطنها دارا ، واتّخذها قرارا ، وبها لقيه أبو عمر بن عبدالبر علّامة الأندلس فدرس عليه ، واقتبس ممّا لديه ، وقد ذكره في تاريخ شيوخه ، ولم يزل عقبه بها إلى أن نجم (٤) منهم أبو الحسين سالم بن محمد بن سالم ، وهو من رجال «الذخيرة» وله نثر ، كما تفتّح الزّهر ، وتدفّق البحر ، ونظم كما اتّسق الدّرّ ، وسفرت عن محاسنها الأنجم الغرّ ، فمن نظمه قوله : [بحر الطويل]
__________________
(١) الجلة : الأجلاء ، والعظماء.
(٢) في أ : «حميرة».
(٣) كأنه مقتبس نارا : كناية عن السرعة.
(٤) نجم : لمع وبرز ، مأخوذ من ظهور النجم.