من نظمه ، وكان أديبا فاضلا ، له شعر مليح المعاني أكثره في الحكم والإلهيات وآداب النفوس والرياضات ، وكان طبيبا حاذقا ، وله رياضات ومعرفة بعلم الباطن ، وله كلام مليح على طريق القوم ، وكان مليح السّمت ، حسن الأخلاق ، لطيفا ، حاضر الجواب ، ومات بدمشق سنة ٦٠٢ ، وكان يقال له : حكيم الزمان ، وأراد القاضي الفاضل أن يغضّ (١) منه فقال له بحضرة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب : كم بين جليانة وغرناطة؟ فقال : مثل ما بين بيسان وبيت المقدس.
ومن شعره قوله : [بحر الطويل]
خبرت بني عصري على البسط والقبض |
|
وكاشفتهم كشف الطبائع بالنبض |
فأنتج لي فيهم قياسي تخلّيا |
|
عن الكل إذ هم آفة الوقت والعرض (٢) |
ألازم كسر البيت خلوا ، وإن يكن |
|
خروج ففردا ملصق الطّرف بالأرض |
أرى الشخص من بعد فأغضي تغافلا |
|
كمشدوه بال في مهمته يمضي |
ويحسبني في غفلة وفراستي |
|
على الفور من لمحي بما قد نوى تقضي |
أجانبهم سلما ليسلم جانبي |
|
وليس لحقد في النفوس ولا بغض |
تخليت عن قومي ولو كان ممكني |
|
تخليت عن بعضي ليسلم لي بعضي |
وقال : [بحر الكامل]
قالوا نراك عن الأكابر تعرض |
|
وسواك زوّار لهم متعرّض |
قلت الزيارة للزمان إضاعة |
|
وإذا مضى زمن فما يتعوض |
إن كان لي يوما إليهم حاجة |
|
فبقدر ما ضمن القضاء نقيّض |
وقال : [بحر الكامل]
حاول مفازك قبل أن يتحولا |
|
فالحال آخرها كحالك أولا |
إن المني من المنية لفظه |
|
لتدل في أصل البناء على البلا |
وسماه بعضهم عبد المنعم ، وذكره العماد في «الخريدة» وقال : هو صاحب البديع البعيد ، والتوشيح والترشيح ، والترصيع والتصريع ، والتجنيس والتطبيق ، والتوفيق والتلفيق ،
__________________
(١) يغض منه : ينتقص.
(٢) العرض : الحسب ، الشرف ، النفس ، الجسد. وكل هذه المعاني ممكنة في البيت.