سمع من الصدفي وغيره ، وكان من أهل الحفظ للحديث ورجاله والعلم بالأصول والفروع ومسائل الخلاف وعلم العربية والهيئة مع الخير والدين والزهد ، وامتحن بالأمراء في قضاء بلده بعد أن تقلده نحو تسعة أعوام لإقامته الحق وإظهاره العدل حتى أدى ذلك إلى اعتقاله بقصر إشبيلية ، ثم سرح فرحل حاجا إلى المشرق ، ودخل المهدية فلقي بها المازري ، وأقام في صحبته نحو ثلاث سنين ، ثم انتقل إلى مصر ، وحج سنة ٥٢٧ ، وأقام بمكة مجاورا ، وحج ثانية سنة ٥٢٨ ، ولقي بمكة أبا بكر عتيق بن عبد الرحمن الأوريولي في هذه السنة ، فحمل عنه ، ودخل العراق وخراسان ، وأقام بها أعواما ، وطار ذكره في هذه البلاد ، وعظم شأنه في العلم والدين ، وكان من بيت شرف وجاه في بلده عريض مع سعة الحال والمال ، وتوفي بهراة سنة ٥٥١ ، وقيل : إن وفاته سنة ٥٤٨ ، وذكره العماد في «الخريدة» والسمعاني في الذيل ، وأنشد له : [بحر الطويل]
تلوّنت الأيام لي بصروفها |
|
فكنت على لون من الصبر واحد (١) |
فإن أقبلت أدبرت عنها وإن نأت |
|
فأهون بمفقود لأكرم فاقد (٢) |
وولد سنة ٤٨٤ بشلب ، رحمه الله تعالى!.
٢٨٨ ـ ومنهم أبو محمد عبد الله بن موسى ، الأزدي ، المرسي ، ويعرف بابن برطلة.
سمع من صهره القاضي الشهيد أبي علي الصدفي ، ورحل حاجا سنة ٥١٠ ، فأدى الفريضة وسمع من الطرطوشي والأنماطي والسّلفي وغيرهم ، وانصرف إلى مرسية بلده ، وكان حسن السّمت خاشعا مخبتا خيرا متواضعا نبيها نزها سالم الباطن ، وحكى عن شيخه أبي عبد الله الرازي عن أبيه أنه أخبره أن قاضي البرلس ، وكان رجلا صالحا ، خرج ذات ليلة إلى النّيل فتوضأ وأسبغ وضوءه ، ثم قام فقرن قدميه وصلى ما شاء الله تعالى أن يصلي ، فسمع قائلا يقول : [بحر البسيط]
لولا أناس لهم سرد يصومونا |
|
وآخرون لهم ورد يقومونا |
لزلزلت أرضكم من تحتكم سحرا |
|
لأنكم قوم سوء لا تبالونا |
قال : فتجوّزت في صلاتي ، وأدرت طرفي فما رأيت شخصا ولا سمعت حسا ، فعلمت أن ذلك زاجر من الله تعالى!.
__________________
(١) صروف الأيام : مصائبها.
(٢) أهون بمفقود : ما أهونه مفقودا.