فبلغ ما بلغ ، وآل أمره إلى أن قتله عبد الرحمن الداخل المرواني في سجن قرطبة مخنوقا.
وذكر ابن حيان أنه كان ممّن ثار على يوسف الفهري عبد الرحمن بن علقمة اللخمي فارس الأندلس ، ووالي ثغر أربونة ، وكان ذا بأس شديد ووجاهة عظيمة ، فبينما هو في تدبير غزو يوسف إذ اغتاله أصحابه وأقبلوا برأسه إليه.
ثم ثار عليه بعد ذلك بمدينة باجة عروة بن الوليد في أهل الذمّة وغيرهم ، فملك إشبيلية ، وكثر جمعه ، إلى أن خرج له يوسف فقتله ، وثار عليه بالجزيرة الخضراء عامر العبدري ، فخرج له ، وأنزله على أمان في سكنى قرطبة ، ثم ضرب عنقه بعد ذلك.
وقيل : إنّ أول من خرج على يوسف عمرو بن يزيد الأزرق في إشبيلية فظفر به فقتله ، وثار عليه في كورة سرقسطة الحباب الزهري إلى أن ظفر به يوسف فقتله ، ثم جاءته الداهية العظمى بدخول عبد الرحمن بن معاوية المرواني إلى الأندلس وسعيه في إفساد سلطانه ، فتمّ له ما أراده ، والله تعالى أعلم.
٣٢ ـ ومن الداخلين من المشرق إلى الأندلس ملكها عبد الرحمن بن معاوية ابن أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان ، المعروف بالداخل.
وذلك أنه لمّا أصاب دولتهم ما أصاب ، واستولى بنو العباس على ما كان بأيديهم ، واستقرّ قدمهم في الخلافة ، فرّ عبد الرحمن إلى الأندلس ، فنال بها ملكا أورثه عقبه حقبة (١) من الدهر.
قال ابن حيان في «المقتبس» : إنه لمّا وقع الاختلال في دولة بني أمية والطلب عليهم ، فرّ عبد الرحمن ، ولم يزل في فراره منتقلا بأهله وولده إلى أن حلّ بقرية على الفرات ذات شجر وغياض (٢) ، يريد المغرب ، لما حصل في خاطره من بشرى مسلمة ، فممّا حكي عنه أنه قال : إني لجالس يوما في تلك القرية في ظلمة بيت تواريت فيه لرمد كان بي ، وابني سليمان بكر ولدي يلعب قدّامي ، وهو يومئذ ابن أربع سنين أو نحوها ، إذ دخل الصبيّ من باب البيت فازعا باكيا فأهوى إلى حجري ، فجعلت أدفعه لما كان بي ويأبى إلّا التعلق ، وهو دهش يقول ما يقوله الصبيان عند الفزع ، فخرجت لأنظر ، فإذا بالرّوع (٣) قد نزل بالقرية ، ونظرت فإذا بالرايات
__________________
(١) عقبه : أبناؤه ، وأحفاده ، والحقبة : المدة من الدهر لا وقت لها. وقيل : الحقبة السنة.
(٢) الغياض : جمع غيضة ، وهي مجتمع الشجر في مغيض الماء.
(٣) الروع : الفزع ، الخوف.