وكتب ناصر الدين صاحب دواوين الإنشاء ما صورته : وقفت على هذا الكتاب الذي أشبه الدر في انتظامه ، والثغر في ابتسامه ، وقطر الندى في انسجامه ، وزهر الروض في البكر (١) إذا غنت على غصونه مطربات حمامه ، فوجدت بين اسمه ومسماه مناسبة اقتضاها طبع مؤلفه السليم ، واتصالا قريبا كاتصال الصديق الحميم ، فتحققت أن مؤلفه ـ أبقاه الله تعالى وحرسه! ـ أبدع في تأليفه ، وأصاب في تمييزه بهذا الاسم وتعريفه ، فهو في اللطافة كالماء في إروائه ، وكالهواء المعتدل في ملاءمة الأرواح بجوهر صفائه ، وكالسلك إذا انتقى جوهره وأجيد في انتقائه ، قد أينعت ثمرات فضائله فأصبحت دانية القطوف ، وتجلت عرائس بلاغته فظهر بدرها بلا كسوف ، وانجابت ظلمات الهموم بسماع موصول مقاطعه التي هي في الحقيقة لآذان الجوزاء شنوف ، فأكرم به من كتاب ما الروض بأبهى من وسيمه ، ولا الرّيحان بأعطر من شميمه (٢) ، ولا المدامة بأرق من هبوب نسيمه ، ولا الدر بأسنى زهرا بل زهوا من رسومه ، إذا تدبره الأديب أغنته تلك الأفانين ، عن نغمات القوانين ، وإذا تأمله الأريب نزه طرفه في رياض البساتين ، قد سوّر على كل نوع من البديع باب ، لا يدخله إلا من خص من البلاغة باللّباب (٣) ، والله تعالى يؤتيه الحكمة وفصل الخطاب ، ويمتع بفضائله التي شهدها أهل العلم وذوو الألباب ، بمنه وكرمه ، وكتبه محمد بن يعقوب الشافعي.
وكتب الصفدي شارح لامية العجم بما نصه : وقفت على هذا المصنف الموسوم بنسيم الصبا ، والتأليف الذي لو مرّ بالمجنون لما ألف ليلاه ولا مال إليها ولا صبا ، والإنشاد الذي إن شاء قائله جعل الكلام غيره في هبّات الهواء هبا ، والنثر الذي أغار قائله على سبائك الذهب الإبريز (٤) وسبا ، والكلام الذي نبا عنه الجاحظ جاحدا وما له ذكر ولا نبا (٥) ، فسبّحت جواهر حروفه لمن أوجده في هذا العصر ، وعلمت أن ألفاظه ترمي قلوب حساده بشرر كالقصر ، وتحققت أن قعقعة طروسه أصوات أعلامه التي تخفق له بالنصر ، وتيقنت أن سطوره غصون لا تصل إليها كف جناية بجنّى ولا هصر : [بحر الطويل]
وقلت لأهل النظم والنثر قابلوا |
|
(ترائبها مصقولة كالسجنجل) (٦) |
وميلوا بأعطاف التعجب إنها |
|
(نسيم الصبا جاءت بريّا القرنفل) (٧) |
__________________
(١) البكر : جمع بكرة ، وهي الغدوة.
(٢) الشميم : الرائحة الطيبة.
(٣) اللباب : الخالص من كل شيء.
(٤) الذهب الإبريز : الذهب الخالص الصافي.
(٥) ولا نبا : ولا نبأ مهموز ، مخففة لأجل السجعة.
(٦) عجز البيت من معلقة امرئ القيس ، والسجنجل : المرآة.
(٧) عجز البيت من معلقة امرئ القيس أيضا.