رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يزعم أنه أدرك أيام عثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عنه ، وأنه كان مراهقا ، وكان مع عائشة ، رضي الله تعالى عنها ، يوم الجمل ، وأنه شهد صفّين ، وأن خزامة أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج عن الأندلس في سنة ثلاثين وثلاثمائة إلى المغرب ، انتهى.
قلت : هذا كلّه لا أصل له ، ويرحم الله تعالى حافظ الإسلام ابن حجر (١) حيث كتب على هذا الكلام ما صورته : هذا هذيان لا أصل له ، ولا يغترّ به ، وكذلك ترجمة أشج العرب اتّفق الحفّاظ على كذبه ، انتهى.
قلت : وما هو إلّا من نمط عكراش ، والله تعالى يحفظنا من سماع الأباطيل بمنّه.
ومن هذه الأكاذيب ما يذكرون عن أبي الحسن علي بن عثمان بن خطاب ، وأنه يعرف بأبي الدنيا ، وأنه كان معمّرا مشهورا بصحبة علي بن أبي طالب ، كرّم الله وجهه ، وأنه رأى جماعة من كبار الصحابة ، رضي الله تعالى عنهم ، ووصفهم بصفاتهم ، وأنه رأى عائشة ، رضي الله تعالى عنها ، فيما زعم ، وقدم قرطبة على المستنصر الحكم بن الناصر وهو ولي عهد ، وسأله أبو بكر بن القوطية عن مغازي علي وكتبها عنه ، وقد ذكره ابن بشكوال وغيره في كتبهم وتواريخهم ، فقد ذكر الثقات العارفون بالفنّ أنه كذّاب دجّال مائن (٢) جاهل ، فإيّاك والاغترار بمثل ذلك ممّا يوجد في كتب كثير من المؤرّخين بالمشرق والأندلس ، ولا يلتفت إلى قول تميم بن محمد التميمي : إنه كان إذ لقيه ابن ثلاثمائة سنة وخمس سنين ، قال تميم : واتّصلت بنا وفاته ببلده في نحو سنة عشرين وثلاثمائة ، وبالجملة فلا أصل له ، وإنما ذكرناه للتنبيه عليه.
وقد عرفت بما ذكرناه التابعين الداخلين الأندلس ، على أن التحقيق أنهم لم يبلغوا ذلك العدد ، وإنما هم نحو خمسة أو أربعة كما ألمعنا به في غير هذا الموضع ، والله تعالى أعلم.
١٣ ـ ومن الداخلين إلى الأندلس مغيث فاتح قرطبة.
وقد تقدّم بعض الكلام عليه ، وذكر ابن حيان والحجاري أنه رومي ، زاد الحجاري : وليس برومي على الحقيقة ، وتصحيح نسبه أنه مغيث بن الحارث بن الحويرث بن جبلة بن الأيهم الغساني ، سبي من الروم بالمشرق وهو صغير ، فأدّبه عبد الملك بن مروان مع ولده الوليد ، وأنجب في الولادة ، وصار منه بنو مغيث الذين نجبوا في قرطبة ، وسادوا وعظم بيتهم،
__________________
(١) هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ ه ومن أهم مؤلفاته : تهذيب التهذيب ، ولسان الميزان وكلاهما في الرجال (انظر كشف الظنون ٥ / ١٢٨).
(٢) مائن : اسم فاعل مان بمعنى كذب.