ولما ملت بعد ما ثملت ، وغزلت بعد ما هزلت ، جردت من نفسي شخصا أخاطبه وأجاريه ، في أوصاف محاسنها التي أناهبه منها وأناهيه ، فقال لي : هذا الفن الفذ ، والنثر الذي قهر أقران هذه الصناعة وبذ ، والأدب الذي سد الطرق على أوابده فما فاته شيء ولا شذ ، وهذا الإنشاء الذي ما له عديل في هذا العديد ولا ضريب ، وهذا الكلام الذي فاق في الآفاق فما لحبيب بن أوس حسن حسن بن حبيب ، فعين الله تعالى على هذه الكلم الساحرة ، والفوائد التي أيقظت جفن الأدب بعد ما كان بالساهرة ، ومتع الله تعالى الزمان وأهله بهذا النوع الغض ، والنقد النض ، والبز البض ، والبديع الذي رمّ ما تشعّث من ربع هذا الفن ورض ، واقتض المعاني أبكاره وافتض ، وأرسل جارح بلاغته على الجوارح فصادها وانقص وانقض ، وأنبط ماء الفصاحة لما تحدر وارفضّ ، واستمال القلب الفظ لما فك ختم ذهوله وفض ، إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، بمنه وكرمه ، وكتبه خليل الصفدي ، انتهى.
٣٠٣ ـ ومنهم الأديب أبو جعفر الإلبيري.
رفيق ابن جابر السابق الذكر ، وهو البصير وابن جابر الأعمى ، وله نظم بديع منه قوله : [بحر السريع]
أبدت لي الصدغ على خدها |
|
فأطلع الليل لنا صبحه |
فخدها مع قدها قائل |
|
(هذا شقيق عارض رمحه) (١) |
وقوله وقد دخل حمص : [بحر السريع]
حمص لمن أضحى بها جنة |
|
يدنو لديها الأمل القاصي (٢) |
حل بها العاصي ألا فاعجبوا |
|
من جنة حل بها العاصي (٣) |
وقوله : [بحر الخفيف]
إن بين الحبيب عندي موت |
|
وبه قد حييت منذ زمان (٤) |
ليت شعري متى تشاهده العي |
|
ن وتقضي من اللقاء الأماني |
__________________
(١) عجز البيت من صدر البيت التالي :
جاء شقيق عارضا رمحه |
|
إن بني عمك فيهم سلاح |
(٢) القاصي : البعيد.
(٣) العاصي : النهر الذي يمر بحمص ويسقي بساتينها.
(٤) بين الحبيب : بعده وفراقه.