أيها الراكب الميمّم أرضي |
|
اقر منّي بعض السلام لبعضي (١) |
إنّ جسمي كما تراه بأرض |
|
وفؤادي ومالكيه بأرض |
قدّر البين بيننا فافترقنا |
|
وطوى البين عن جفوني غمضي |
قد قضى الدهر بالفراق علينا |
|
فعسى باجتماعنا سوف يقضي |
وكتب إلى بعض من وفد عليه من قومه لما سأله الزيادة في رزقه ، واستقلّ ما قابله به وذكّره بحقّه بهذه الأبيات : [بحر مخلع البسيط]
شتّان من قام ذا امتعاض |
|
منتضي الشّفرتين نصلا (٢) |
فجاب قفرا وشقّ بحرا |
|
مساميا لجّة ومحلا |
دبّر ملكا وشاد عزّا |
|
ومنبرا للخطاب فصلا |
وجنّد الجند حين أودى |
|
ومصّر المصر حين أجلى |
ثم دعا أهله إليه |
|
حيث انتؤوا أن هلمّ أهلا |
فجاء هذا طريد جوع |
|
شديد روع يخاف قتلا (٣) |
فنال أمنا ونال شبعا |
|
ونال مالا ونال أهلا |
ألم يكن حقّ ذا على ذا |
|
أعظم من منعم ومولى |
وحكى ابن حيان أن عبد الرحمن لمّا أذعن له يوسف صاحب الأندلس واستقرّ ملكه استحضر الوفود إلى قرطبة ، فانثالوا عليه ، ووالى القعود (٤) لهم في قصره عدّة أيام في مجالس يكلّم فيها رؤساءهم ووجوههم بكلام سرّهم وطيّب نفوسهم ، مع أنه كساهم وأطعمهم ووصلهم ، فانصرفوا عنه محبورين (٥) مغتبطين ، يتدارسون كلامه ، ويتهافتون بشكره ، ويتهانون بنعمة الله تعالى عليهم فيه. وفي بعض مجالسهم هذه مثل بين يديه رجل من جند قنسرين يستجديه (٦) فقال له : يا ابن الخلائف (٧) الراشدين ، والسادة الأكرمين ، إليك فررت ، وبك
__________________
(١) يمّم : قصد.
(٢) امتعض من الشيء : غضب منه ، وانتضى السيف : استله من غمده. والشفرة : حد السيف.
(٣) الروع : الخوف والذعر.
(٤) وإلى القعود : تابعه وداوم عليه وكرره.
(٥) محبورين : مسرورين.
(٦) يستجديه : يطلب عطاءه.
(٧) الخلائف : جمع خليفة.