وكان يأتي مدينة وادي آش الكرّة بعد الكرّة لزيارة معارف له بها ، وكان من الذين أخفاهم الله ، لا يعرف به إلّا من تعرف له ، أعاد الله تعالى علينا من بركاته!.
قال العلامة ابن داود : وحدّثني مولاي والدي ، رضي الله تعالى عنه ، من لفظه بتلمسان أمّنها الله تعالى يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل الشريف (١) سنة ٨٩٥ ، قال : دخل عليّ سنة شهر رمضان المعظّم في زمان ولايتي الخطابة والإمامة بالعراص من خارج وادي آش ، أعادها الله تعالى! فقعدت أوّل ليلة منه منفردا بالمسجد الأعظم من الرباط المذكور بين العشاءين ، وفكّرت في ذكر أتّخذه في هذا الشهر المبارك يكون جامعا بين الدنيا والآخرة ، فأجمعت على مطالعة «حلية» النواوي لعلّي أقف على ما أختاره لذلك ، فلمّا أصبحت دخلت إلى المدينة ، ولم أكن أطلعت على فكرتي أحدا ، فلقيني الحاج الأستاذ أبو عبدالله بن خلف ، رحمه الله تعالى ، في الطريق ، فقال لي : سيدي يوسف الدمشقي يسلّم عليك ويقول لك : الذكر الذي تعمر به هذا الشهر الفاضل : «اللهمّ ارزقني الزهد في الدنيا ، ونوّر قلبي بنور معرفتك» قال والدي (٢) ، رضي الله تعالى عنه : وكان هذا سبب تعرّفي له ، ولقائي إياه ، وكنت قبل ذلك منكرا عليه لكثرة الدعاوى في هذا الطريق ، نفع الله تعالى به! انتهى.
ولنجعل هذه الترجمة آخر هذا الباب ، تبركا بهذا الولي الصالح ، نفعنا الله تعالى ببركاته! مع علمي بأنّ الوافدين من المشرق على الأندلس كثيرون جدا ، إلّا أنّ عدم المادة التي أستعين بها في هذه البلاد تبين عذري ، ولو اجتمعت على كتبي المخلّفة بالمغرب لأتيت في ذلك وغيره بما يشفي ويكفي : [بحر البسيط]
وفي الإشارة ما يغني عن الكلم
بحمده تعالى تم الجزء الثالث من نفح الطيب
ويليه الجزء الرابع
__________________
(١) كلمة «الشريف» ساقطة من ب.
(٢) في ب : «قال لي والدي».