تجديد اللّواء ، فلمّا رأوا تحت اللواء أسمالا خلقة (١) ملفوفة معقدة جهلوها فاسترذلوها ، وأمروا بحلّها ونبذها (٢) ، وجدّدوا غيرها ، وكان جهور بن يوسف بن بخت شيخهم غائبا ، فحضر في اليوم الثاني ، وطولع بالقصّة ، فأنكرها أشدّ إنكار ، وساءه ما فعلوه ، وقال : إن جهلتم شأن تلك الأخلاق (٣) فكان ينبغي أن تتوقّفوا عن نبذها حتى تسألوا المشايخ وتتفكّروا في أمرها ، وخبرهم خبرها ، فتطلّبوا تلك الأخلاق (٤) فلم توجد ، ويقال كما قال ابن حيان : إنه لم يزل يعرف الوهن في ملك بني أمية بالأندلس من ذلك اليوم ، وقد كان الذي عقده أوّلا عبد الله بن خالد من موالي بني أمية ، وكان والده خالد عقد لواء مروان بن الحكم جدّ عبد الرحمن الأعلى لمّا اجتمع عليه بنو أمية وبنو كلب بعد انقراض دولة بني حرب (٥) على قتال الضحاك بن قيس الفهري يوم مرج راهط ، فانتصر على الضحاك وقتله ، ولمّا عرف الأمير بقصة اللواء حزن أشدّ حزن ، وانفتقت عليه إثر ذلك الفتوق العظام ، وكانوا يرون أنها جرت بسبب اللواء لأنه لم ينهزم قطّ جيش كان تحته ، على ما اقتضته حكمة الله التي لا تتوصّل إليها الأفكار ، وتولّى حمل هذا اللواء لعبد الرحمن الداخل أبو سليمان داود الأنصاري ، ولم يزل يحمله ولده من بعده إلى أيام محمد بن عبد الرحمن.
ولمّا تلاقى عبد الرحمن الداخل مع أمير الأندلس يوسف الفهري بالقرب من قرطبة وتراسلا ، فخادعه يومين آخرهما يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين ومائة ، أظهر عبد الرحمن قبول الصلح ، فبات الناس على ذلك ليلة العيد ، وكان قد أسرّ خلاف ما أظهر ، واستعدّ للحرب ، ولمّا أصبح يوم الأضحى لم ينشب (٦) أن غشيت الخيل ، ووكّل عبد الرحمن بخالد بن زيد ، الكاتب رسول يوسف جماعة ، وأمرهم إن كانت الدائرة عليهم أن يضربوا عنقه ، وإلّا فلا ، فكان خالد يقول : ما كان شيء في ذلك الوقت أحبّ إليّ من غلبة عبد الرحمن الداخل عدوّ صاحبي ، وركب عبد الرحمن جوادا ، فقالت اليمانية الذين أعانوه : هذا فتّى حديث السنّ تحته جواد وما نأمن أول ردعة (٧) يردعها أن يطير منهزما على جواده ويدعنا ، فأتى عبد الرحمن أحد مواليه فأخبره بمقالتهم ، فدعا أبا الصباح ، وكان له بغل أشهب
__________________
(١) الأسمال : البالية. والخلقة : البالية أيضا.
(٢) نبذها : طرحها ورميها.
(٣) الأخلاق : البالية.
(٤) الأخلاق : البالية.
(٥) دولة بني حرب : أي دولة أبناء أبي سفيان الذين ابتدؤوا بمعاوية وانتهت دولتهم باستيلاء مروان بن الحكم على الخلافة.
(٦) لم ينشب : لم يلبث.
(٧) أول ردعة : أراد أول هجمة تقع بينه وبين عدوّه.