وملخّص دخوله الأندلس أنه لمّا اشتدّ الطلب على فلّ بني أمية بالمشرق من وارثي ملكهم بني العباس خرج مستترا إلى مصر ، فاشتدّ الطلب على مثله ، فاحتال حتى وصل برقة ، ثم لم يزل متوغّلا في سيره إلى أن بلغ المغرب الأقصى ، ونزل بنفزة (١) وهم أخواله ، فأقام عندهم أياما ثم ارتحل إلى مغيلة بالساحل ، فأرسل مولاه بدرا بكتابه إلى مواليهم بالأندلس عبيد الله بن عثمان وعبد الله بن خالد وتمام بن علقمة وغيرهم ، فأجابوه واشتروا مركبا وجهّزوه بما يحتاج إليه ، وكان الذي اشتراه عبيد الله بن عثمان ، وأركب فيه بدرا ، وأعطاه خمسمائة دينار برسم النفقة ، وركب معه علقمة بن تمام (٢) بن علقمة ، وبينما هو يتوضّأ لصلاة المغرب على الساحل إذ نظر إلى المركب في لجّة البحر مقبلا حتى أرسى أمامه ، فخرج إليه بدر سابحا ، فبشّره بما تمّ له بالأندلس ، وبما اجتمع عليه الأمويون والموالي ، ثم خرج إليه تمام ومن معه في المركب فقال له : ما اسمك وما كنيتك؟ فقال : اسمي تمام ، وكنيتي أبو غالب ، فقال : تم أمرنا وغلبنا عدوّنا إن شاء الله تعالى ، ثم ركبوا المركب معه فنزل بالمنكّب ، وذلك غرة ربيع الأول سنة ١٣٨.
فلمّا اتّصل خبر جوازه (٣) بالأموية أتاه عبيد الله بن عثمان وجماعة فتلقّوه بالإعظام والإكرام ، وكان وقت العصر ، فصلّى بهم العصر ، وركبوا معه إلى قرية طرّش من كور إلبيرة فنزل بها ، وأتاه بها جماعة من وجود الموالي وبعض العرب ، فبايعوه وكان من أمره ما يذكر ، وقيل : إنه أقام بإلبيرة حتى كمل من معه ستمائة فارس من موالي بني أمية ووجوه العرب ، فخرج من إلبيرة إلى كورة ريّة فدخلت في جماعته ثم بايعته أهلها وأجنادها ، ثم ارتحل إلى شذونة ثم إلى مدور ، ثم سار إلى إشبيلية.
وقال بعضهم : لمّا أراد عبد الرحمن قصد قرطبة عند دخوله الأندلس من المشرق نزل بطشّانة ، فأشاروا عليه أن يعقد له لواء (٤) ، فجاؤوا بعمامة وقناة ، فكرهوا أن يميلوا القناة تطيرا ، فأقاموها بين شجرتين من الزيتون متجاورتين ، وصعد رجل على فرع إحداهما فعقد اللواء والقناة قائمة ، وتبرّك هو وولده بهذا اللواء ، فكان بعد أن بلي لا تحلّ منه العقدة التي عقدت أوّلا ، بل تعقد فوقها الألوية الجدد ، وهي مستكنة تحتها ، ولم يزل الأمر على ذلك حتى انتهت الدولة إلى عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، وقيل : إلى ابنه محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، فاجتمع الوزراء على
__________________
(١) في ج : «بنفرة» براءة مهملة.
(٢) في ب : تمام بن علقمة.
(٣) جوازه : أراد : اجتيازه من إفريقية إلى الأندلس.
(٤) اللواء : العلم ، والراية.