وفي سنة ١٥٧ ثار بسرقسطة الحسين بن يحيى بن سعد (١) بن عبادة الخزرجي ، وشايعه سليمان بن يقظان الأعرابي الكلبي رأس الفتن ، وآل أمرهما إلى أن فتك الحسين بسليمان ، وقتل الداخل الحسين كما مرّ.
وفي سنة ١٦٣ ثار الرحامس (٢) بن عبد العزيز الكناني بالجزيرة الخضراء ، فتوجّه له عبد الرحمن الداخل ، ففرّ في البحر إلى المشرق.
قال ابن حيان : كان مولد ، عبد الرحمن الداخل سنة ١١٣ ، وقيل : في التي قبلها ، بالعلياء من تدمر ، وقيل : بدير حنا من دمشق ، وبها توفي أبوه معاوية في حياة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك ، وكان قد رشّحه للخلافة ـ وبقبر معاوية المذكور استجار الكميت الشاعر حين أهدر (٣) هشام دمه ـ وتوفي الداخل لست بقين من ربيع الآخر سنة ١٧١ ، وهو ابن سبع وخمسين سنة وأربعة أشهر ، وقيل : اثنتان وستون سنة ، ودفن بالقصر من قرطبة ، وصلّى عليه ابنه عبد الله.
وكان منصورا مؤيّدا مظفّرا على أعدائه ، وقد سردنا من ذلك جملة ، حتى قال بعضهم: إنّ الراية التي عقدت له بالأندلس حين دخلها لم تهزم قط ، وإنّ الوهن (٤) ما ظهر في ملك بني أمية إلّا بعد ذهاب تلك الراية ، قال أكثر هذا مؤرخ الأندلس الثّبت الثقة أبو مروان بن حيّان ، رحمه الله تعالى!
ولا بأس أن نورد زيادة على ما سلف وإن تكرّر بعض ذلك ، فنقول : قال بعض المؤرخين من أهل المغرب بعد كلام ابن حيان الذي قدّمنا ذكره ، ما نصّه : كان الإمام عبد الرحمن الداخل راجح العقل ، راسخ الحلم ، واسع العلم ، كثير الحزم ، نافذ العزم ، لم ترفع له قط راية على عدوّ إلّا هزمه ، ولا بلد إلّا فتحه ، شجاعا ، مقداما ، شديد الحذر ، قليل الطمأنينة ، لا يخلد إلى راحة ، ولا يسكن إلى دعة (٥) ، ولا يكل الأمر إلى غيره ، كثير الكرم ، عظيم السياسة ، يلبس البياض ، ويعتمّ به ، ويعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويصلّي بالناس في الجمع والأعياد ، ويخطب بنفسه ، جنّد الأجناد ، وعقد الرايات ، واتّخذ الحجّاب والكتّاب ، وبلغت جنوده مائة ألف فارس.
__________________
(١) كذا في أ. وفي ب : «الحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد بن عبادة». وفي ه : «الحسين بن يحيى بن سعيد بن عبادة».
(٢) في أ : «الدحامس».
(٣) أهدر دمه : أباحه وجعل من أراقه لا عقوبة عليه.
(٤) الوهن : الضعف.
(٥) الدعة : الاستقرار.