ويقيد شوارد المعاني وغرائبها ، لاستضلاعه بالأدب الذي أحكم أصوله وفروعه ، وعمر برهة من شبيبته ربوعه ، وبرز فيه تبريز الجواد المستولي على الأمد ، وجلّى عن نفسه به كما جلى الصقال عن النصل الفرد (١) ، وشاهد ذلك ما أثبته من نظمه الذي يروق جملة وتفصيلا ، ويقوم على قوة العارضة دليلا ، فمن ذلك قوله يحذر من خلطاء الزمان ، وينبه على التحفظ من الإنسان : [بحر الرمل]
كن بذئب صائد مستأنسا |
|
وإذا أبصرت إنسانا ففر |
إنما الإنسان بحر ما له |
|
ساحل فاحذره إياك الغرر (٢) |
واجعل الناس كشخص واحد |
|
ثم كن من ذلك الشخص حذر |
وله في الزهد : [بحر الرمل]
أيها المطرود من باب الرضا |
|
كم يراك الله تلهو معرضا |
كم إلى كم أنت في جهل الصبا |
|
قد مضى عمر الصبا وانقرضا |
قم إذا الليل دجت ظلمته |
|
واستلذّ الجفن أن يغتمضا (٣) |
فضع الخد على الأرض ونح |
|
واقرع السّنّ على ما قد مضى |
وله في هذا المعنى : [مخلع البسيط]
قلبي يا قلبي المعنّى |
|
كم أنا أدعى فلا أجيب |
كم أتمادى على ضلال |
|
لا أرعوي لا ولا أنيب (٤) |
ويلاه من سوء ما دهاني |
|
يتوب غيري ولا أتوب |
وا أسفى كيف برء دائي |
|
دائي كما شاءه الطبيب |
لو كنت أدنو لكنت أشكو |
|
ما أنا من بابه قريب |
أبعدني منه سوء فعلي |
|
وهكذا يبعد المريب |
ما لي قدر وأي قدر |
|
لمن أخلّت به الذنوب |
وله في هذا المعنى أيضا : [بحر الكامل]
__________________
(١) الفرد : الذي لا مثيل له.
(٢) الغرر : التعرض للهلاك.
(٣) دجت ظلمته : أظلمت كثيرا. والدجى : الظلمة.
(٤) لا أرعوي : لا أرجع.