ثم ويلي من يوم تبرز فيه القبائح ، وتنشر الفضائح ، ومنادي العدل قائم بين العالمين ، (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)) [الأنبياء : ٤٧] ، فالله أسأل حسن الإلطاف ، والستر عما ارتكبناه من التعدي والإسراف ، وأن يجعلنا من أهل الحمى العظيم ، وممن يحشر تحت لواء خلاصته الكريم ، سيدنا ومولانا وشفيعنا النبي الرؤوف الرحيم ، ولنكفّ من القلم عنانه ، لما أرجو من أجله ثواب الله سبحانه ، وقد اتصل بيدي جوابكم ، أطال الله في العلم بقاءكم ، فرأيت من عذوبة ألفاظكم ، وبلاغة خطابكم ، ما يذهل من العلماء فحولها ، وينيلها لدى الجثوّ لسماعه سؤلها ومأمولها ، بيد ما فيه من أوصاف من أمره قاصر ، وعن الطاعة والاجتهاد فاتر ، وأصدق قول فيه عند مخبره ومرآه ، أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (١) ، لكن يجازيكم المولى بحسن النية ، البلوغ في بحبوحة الجنان غاية الأمنية ، وقد ذيلتم ذلك بأبيات أنا أقل من أن أوصف بمثلها ، على أني غير قائم بفرضها ونفلها ، فالله تعالى يمدّكم بمعونته ، ويجعلكم من أهل مناجاته في حضرته ، ويسقينا من كاسات القرب ما نتمتع منه بلذيذ منادمته ، وقد ساعد البنان الجنان ، في إجابتكم بوزنها وقافيتها ، والعذر لي أنني لست من أهل هذا الشان ، والاعتراف بأنني جبان وأيّ جبان ، والكمال لكم في الرضا والقبول ، والكريم يغضي عن عورات الأحمق الجهول ، وظننا حققه الله تعالى أن نجعل على منظومتكم الكلامية يعني «إضاءة الدّجنّة» (٢) تقييدا ، أرجو من الله توفيقا وتسديدا ، بحسب قدري لا على قدركم ، وعلى مثل فكري القاصر لا على عظيم فكركم ، وإن ساعد الأوان ، وقضى بتيسيره ربّ الزمان ، فآتى به إن شاء الله الآجل معي لأنني بالأشواق ، إلى حضرة راكب البراق ، ومخترق السبع الطباق ، وكنت عازما على أن أبعث لكم من الأبيات أكثر من الواقع ، إلا أن الرفقة أعجلت ، وصادفتني أيام موت قعيدة البيت (٣) ، فلم يتيسر عاجلا إلا ما ذكر وعلى الله قصد السبيل ، وهو حسبي ونعم الوكيل : [بحر مخلع البسيط]
يا نخبة الدهر في الدراية |
|
علما تعاضده الروايه |
لا زلت بحرا بكل فنّ |
|
يروي به الطالبون غايه |
لقد تصدّرت في المعالي |
|
كما تعاليت في العنايه |
__________________
(١) «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» مثل يضرب لمن يكون ذا نباهة ولا منظر له.
(٢) هي : «إضاءة الدجنة بعقائد أهل السنة» وهي منظومة للمقري ألّفها ودرّسها في الحجاز والشام طبعت بمصر سنة ١٣٠٤ بهامش شرح عليش على العقيدة السنية.
(٣) قعيدة البيت : أراد الزوجة أخذ من قول الحطيئة :
أطوّف ما أطوّف ثم آوي |
|
إلى بيت قعيدته لكاع |