تعالى كما قال مشركو قريش (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥] والإشارة إلى ما يدعوهم إليه.
وأما على قراءة الفريق الثاني فالخلق بفتح الخاء وسكون اللام مصدر هو الإنشاء والتكوين ، والخلق أيضا مصدر خلق ، إذا كذب في خبره ، ومنه قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت : ١٧]. وتقول العرب : حدثنا فلان بأحاديث الخلق وهي الخرافات المفتعلة ، ويقال له : اختلاق بصيغة الافتعال الدالة على التكلف والاختراع ، قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] وذلك أن الكاذب يخلق خبرا لم يقع.
فيجوز أن يكون المعنى أن ما تزعمه من الرسالة عن الله كذب وما تخبرنا من البعث اختلاق ، فالإشارة إلى ما جاء به صالح.
ويجوز أن يكون المعنى أنّ حياتنا كحياة الأولين نحيا ثم نموت ، فالكلام على التشبيه البليغ وهو كناية عن التكذيب بالبعث الذي حذرهم جزاءه في قوله : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء : ١٣٥] يقولون : كما مات الأولون ولم يبعث أحد منهم قط فكذلك نحيا نحن ثم نموت ولا نبعث. وهذا كقول المشركين (ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الجاثية : ٢٥] فالإشارة في قوله : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) إلى الخلق الذي هم عليه كما دل عليه المستثنى. فهذه أربعة معان واحد منها مدح ، واثنان ذم ، وواحد ادعاء.
وجملة : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) على المعاني الأول والثاني والثالث عطف على جملة (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) عطف مغاير.
وعلى المعنى الرابع عطف تفسير لقولهم (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) تصريحا بعد الكناية. والقصر قصر إضافي على المعاني كلها.
ولا شك أن قوم صالح نطقوا بلغتهم جملا كثيرة تنحل إلى هذه المعاني فجمعها القرآن في قوله : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) باحتمال اسم الإشارة واختلاف النطق بكلمة خلق فلله إيجازه وإعجازه.
والفاء في (فَكَذَّبُوهُ) فصيحة ، أي فتبيّن أنهم بقولهم : سواء علينا ذلك أوعظت إلخ قد كذبوه فأهلكناهم.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) إلى آخره هو مثل نظيره في قصة نوح.