التطمين لموسى في قالب العموم تعميما للفائدة.
واستقامة نظم الكلام بهذا المعنى يكون بتقدير كلام محذوف يدل عليه التفريع في قوله : (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ). فالتقدير : إلا من ظلم من قبل الإرسال وتاب من ظلمه فخاف عقابي فلا يخاف لأني غافر له وقابل لتوبته لأني غفور رحيم. وانتظم الكلام على إيجاز بديع اقتضاه مقام تعجيل المسرة ، ونسج على منسج التذكرة الرمزية لعلم المتخاطبين بذلك كأنه يقول : لم أهمل توبتك يوم اعتديت وقولك (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ* قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص : ١٥ ، ١٦] ، وعزمك على الاستقامة يوم قلت : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص : ١٧].
ولذلك اقتصر في الاستثناء على خصوص من بدّل حسنا بعد سوء إذ لا يتصور في الرسول الإصرار على الظلم.
ومن ألطف الإيماء الإتيان بفعل (ظَلَمَ) ليومئ إلى قول موسى يوم ارتكب الاعتداء (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) [القصص : ١٦] ولذلك تعين أن يكون المقصود ب (مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) موسى نفسه.
وقال الفرّاء والزجاج والزمخشري وجرى عليه كلام الضحاك : الاستثناء منقطع وحرف الاستثناء بمعنى الاستدراك فالكلام استطراد للتنبيه على أن من ظلم وبدّل حسنا بعد سوء من الناس يغفر له. وعليه تكون (مَنْ) صادقة على شخص ظلم وليس المراد بها مخالفات بعض الرسل. وهذا التأويل دعا إليه أن الرسالة تنافي سبق ظلم النفس. والذي حداهم إلى ذلك أن من مقتضى الاستثناء المتصل إثبات نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى ، ونقيض انتفاء الخوف حصول الخوف. والموجود بعد أداة الاستثناء أنه مغفور له فلا خلاف عليه. ويفهم منه أنه لو ظلم ولم يبدل حسنا بعد سوء يخاف عذاب الآخرة.
أما الزمخشري فزاد على ما سلكه الفرّاء والزجاج فجعل ما صدق (مَنْ ظَلَمَ) رسولا ظلم. والذي دعاه إلى اعتبار الاستثناء منقطعا هو أحد الداعيين اللذين دعيا الفرّاء والزجاج وهو أن الحكم المثبت للمستثنى ليس نقيضا لحكم المستثنى منه ولذلك جعل ما صدق (مَنْ ظَلَمَ) رسولا من الرسل ظلم بما فرط منه من صغائر ليشمل موسى وهو واحد منهم.
وقد تحصل من الاحتمالين في معنى الاستثناء أن الرسل في حضرة الله (أي حين