في هيئة الساكنة ، وقوله (تَحْسَبُها جامِدَةً) إذ هذا التأويل بمعنى الجامدة هو الذي يناسب حالة الجبال إذ لا تكون الجبال ذائبة.
وقوله (وَهِيَ تَمُرُّ) الذي هو بمعنى السير (مَرَّ السَّحابِ) أي مرا واضحا لكنه لا يبين من أول وهلة. وقوله بعد ذلك كله (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) المقتضي أنه اعتبار بحالة نظامها المألوف لا بحالة انخرام النظام لأن خرم النظام لا يناسب وصفه بالصنع المتقن ولكنه يوصف بالأمر العظيم أو نحو ذلك من أحوال الآخرة التي لا تدخل تحت التصور.
و (مَرَّ السَّحابِ) مصدر مبين لنوع مرور الجبال ، أي مرورا تنتقل به من جهة إلى جهة مع أن الرائي يخالها ثابتة في مكانها كما يخال ناظر السحاب الذي يعم الأفق أنه مستقر وهو ينتقل من صوب إلى صوب ويمطر من مكان إلى آخر فلا يشعر به الناظر إلا وقد غاب عنه. وبهذا تعلم أن المر غير السير الذي في قوله تعالى (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) [الكهف : ٤٧] فإن ذلك في وقت اختلال نظام العالم الأرضي.
وانتصب قوله (صُنْعَ اللهِ) على المصدرية مؤكدا لمضمون جملة (تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) بتقدير : صنع الله ذلك صنعا. وهذا تمجيد لهذا النظام العجيب إذ تتحرك الأجسام العظيمة مسافات شاسعة والناس يحسبونها قارة ثابتة وهي تتحرك بهم ولا يشعرون.
والجامدة : الساكنة ، قاله ابن عباس. وفي «الكشاف» : الجامدة من جمد في مكانه إذا لم يبرح ، يعني أنه جمود مجازي ، كثر استعمال هذا المجاز حتى ساوى الحقيقة والصنع. قال الراغب : إجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا قال تعالى (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) [هود : ٣٨] (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) [الأنبياء : ٨٠] يقال للحاذق المجيد : صنع ، وللحاذقة المجيدة : صنّاع. اه. وقصر في تفسير الصنع الجوهري وصاحب «اللسان» وصاحب «القاموس» واستدركه في «تاج العروس».
قلت : وأما قولهم : بئس ما صنعت ، فهو على معنى التخطئة لمن ظن أنه فعل فعلا.
حسنا ولم يتفطن لقبحه. فالصنع إذا أطلق انصرف للعمل الجيد النافع وإذا أريد غير ذلك وجب تقييده على أنه قليل أو تهكم أو مشاكلة.
واعلم أن الصنع يطلق على العمل المتقن في الخير أو الشر قال تعالى (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) [طه : ٦٩] ، ووصف الله ب (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) تعميم