بألبانها وأصوافها وأشعارها ولحومها ، وهي تشرب من مياه المطر من الأحواض والغدران.
والأناسيّ : جمع إنسيّ ، وهو مرادف إنسان. فالياء فيه ليست للنسب. وجمع على فعاليّ مثل كرسي وكراسي. ولو كانت ياؤه نسب لجمع على أناسية كما قالوا : صيرفي وصيارفة. ووصف الأناسيّ ب (كَثِيراً) لأن بعض الأناسيّ لا يشربون من ماء السماء وهم الذين يشربون من مياه الأنهار كالنيل والفرات ، والآبار والصهاريج ، ولذلك وصف العرب بأنهم بنو ماء السماء. فالمنة أخص بهم ، قال زيادة الحارثي (١) :
ونحن بنو ماء السماء فلا نرى |
|
لأنفسنا من دون مملكة قصرا (٢) |
وفي أحاديث ذكر هاجر زوج إبراهيم عليهالسلام قال أبو هريرة «فتلك أمّكم يا بني ماء السماء» يعني العرب. وماء المطر لنقاوته التي ذكرناها صالح بأمعاء كل الناس وكل الأنعام دون بعض مياه العيون والأنهار.
ووصف أناسي وهو جمع بكثير وهو مفرد لأن فعيلا قد يراد به المتعدد مثل رفيق وكذلك قليل قال تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) [الأعراف : ٨٦].
وتقديم ذكر الأنعام على الأناسيّ اقتضاه نسج الكلام على طريقة الأحكام في تعقيبه بقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) ، ولو قدم ذكر (أَناسِيَ) لتفكك النظم. ولم يقدم ذكر الناس في قوله تعالى : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) في سورة النازعات [٣٣] لانتفاء الداعي للتقديم فجاء على أصل الترتيب.
وضمير (صَرَّفْناهُ) عائد إلى (ماءً طَهُوراً). والتصريف : التغيير. والمراد هنا تغيير أحوال الماء ، أي مقاديره ومواقعه.
وتوكيد الجملة بلام القسم و (قد) لتحقيق التعليل لأن تصرف المطر محقق لا يحتاج إلى التأكيد وإنما الشيء الذي لم يكن لهم علم به هو أن من حكمة تصريفه بين الناس أن يذكروا نعمة الله تعالى عليهم مع نزوله عليهم وفي حالة إمساكه عنهم ، لأن كثيرا من الناس لا يقدر قدر النعمة إلا عند فقدها فيعلموا أن الله هو الربّ الواحد المختار في خلق
__________________
(١) هو من قضاعة ، إسلامي مات قتيلا في خلافة معاوية ، قتله هدبة بن خثرم.
(٢) المملكة : التملك ، أي العزة ، وهي بفتح الميم واللام ، والقصر : الغاية.