من ذنوبنا. وإن لا تغفر لنا وترحمنا ، لنكوننّ من الخاسرين المعذّبين. فاقبل توبتنا وارحمنا ، يا أرحم الرّاحمين. ثمّ لا تملّوا من البكاء والصّراخ والتّضرّع إلى الله والتّوبة إليه حتّى توارى الشّمس بالحجاب ، أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك.
فأجمع رأي القوم على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل. فلمّا كان يوم الأربعاء الّذي توقّعوا فيه العذاب ، تنحّى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل. فلمّا طلع الفجر يوم الأربعاء ، فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به. فلمّا بزغت الشّمس ، أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف [وهدير] (١). فلمّا رأوها عجّوا جميعا بالصّراخ والبكاء والتّضرّع إلى الله وتابوا إليه واستغفروه ، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمّهاتها ، وعجّت سخال البهائم تطلب الثّدي ، وعجّت (٢) الأنعام تطلب الرعاء. فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم (٣) وصراخهم ، ويدعون الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم. وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجّتهم (٤) ويرى ما نزل ، وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم.
فلمّا أن زالت الشّمس وفتحت أبواب السّماء وسكن غضب الرّبّ ـ تعالى ـ رحمهم الرّحمن ، فاستجاب دعاءهم وقبل توبتهم وأقالهم عثرتهم.
وأوحى إلى إسرافيل : أن اهبط إلى قوم يونس. فإنّهم قد عجّوا إليّ بالبكاء والتّضرّع وتابوا إليّ واستغفروني ، فرحمتهم وتبت عليهم. وأنا الله التّوّاب الرّحيم ، أسرع إلى قبول توبة عبدي التّائب من الذنب (٥). وقد كان عبدي ، يونس ، ورسولي سألني نزول العذاب على قومه ، وقد أنزلته عليهم. وأنا الله أحقّ من وفى بعهده وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي.
فقال إسرافيل : يا ربّ ، إنّ عذابك قد بلغ أكتافهم ، وكاد أن يهلكهم ، وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم ، فإلى أين أصرفه؟
فقال الله : كلّا ، إنّي قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ولا ينزلوه عليهم حتّى يأتيهم
__________________
(١) من المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : وسعت.
(٣) بعض نسخ المصدر : ضجيجهم.
(٤) المصدر : عجيجهم.
(٥) المصدر : الذّنوب.