ولا شكّ أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الأئمّة (١) الاثني عشر ، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فإنّ هذا دأبه (٢) وديدنه (٣) فيهم (٤). يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم ، وينسب القبائح والفضائح إليهم. ولا نعلم أنّ (٥) أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق. وإنّما يستحقّ الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد. وهذه صفة القديم ـ سبحانه ـ العالم لذاته لا يشركه فيها (٦) أحد من المخلوقين. ومن اعتقد أنّ غير الله ـ سبحانه ـ يشركه في هذه الصّفة ، فهو خارج عن ملّة الإسلام.
فأمّا ما نقل عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ورواه عنه الخاصّ والعامّ ، من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها ، مثل قوله ـ يومئ إلى صاحب الزّنج (٧) ـ : «كأنّي به ـ يا أحنف ـ وقد سار بالجيش الّذي ليس له غبار ولا لجب ، ولا قعقعة لجم (٨) ، ولا صهيل خيل. يثيرون الأرض بأقدامهم ، كأنّها أقدام النّعام». وقوله يشير إلى مروان بن الحكم : «أما إنّ له إمرة كلعقة (٩) الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة (١٠). وستلقى الأمّة منه ومن
__________________
(٤) المصدر : يختص.
(١) ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : رأيه.
(٣) كذا في المصدر ور. وفي النسخ : دينه.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فبهم.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا يشرك فيه.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الذبح.
وصاحب الزنج هو رجل ظهر في فرات البصرة سنة ٢٥٥ ه ، وزعم أنّه عليّ بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
قال ابن أبي الحديد : وأكثر الناس يقدحون في نسبه ، وخصوصا الطالبيّين. وجمهور النّسابين اتّفقوا على أنّه من عبد القيس ـ إلى أن قال ـ : وذكر المسعوديّ في كتابه المسمّى بمروج الذهب أنّ أفعال عليّ بن محمّد صاحب الزّنج تدلّ على أنّه لم يكن طالبيّا. انتهى.
والزّنج اللّذين أشار إليهم كانوا عبيدا لدهاقين البصرة وبناتها ، ولم يكونوا ذوي زوجات وأولاد ، بل كانوا على هيئة الشّطار عزّابا ، فلا نادبة لهم.
(٨) اللّجب : الصّوت. والقعقعة : تحريك الشّيء اليابس مع صوت. واللّجم : جمع اللّجام.
(٩) الإمرة : الولاية. ولعق الشّيء لعقة : لحسه ، أي : أكله بلسانه. وأراد ـ عليه السّلام ـ بهذا القول قصر مدة ملكه ، وكذلك كانت مدّة خلافة مروان فإنّه ولي تسعة أشهر.
(١٠) الأكبش الأربعة بنو عبد الملك ، الوليد