(لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) : فيحتالوا لإهلاكك حيلة.
فهم يعقوب ـ عليه السّلام ـ من رؤياه أنّ الله يصطفيه لرسالته ، ويفوّقه على إخوته ، فخاف عليه حسدهم وبغيهم.
قيل (١) : الرّؤيا كالرّؤية ، غير أنّها مختصّة بما يكون في النّوم. ففرّق بينهما بحرف التّأنيث ، كالقربة والقربى. وهي : انطباع الصّورة المنحدرة من أفق المتخيلّة إلى الحسّ المشترك. والصّادقة منها يكون باتّصال النّفس بالملكوت ، لما بينهما من التّناسب ، عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ ، فتتصوّر بما فيها ممّا يليق بها من المعاني الحاصلة هناك. ثمّ إنّ المتخيّلة تحاكيه بصورة تناسبه ، فترسلها إلى الحسّ المشترك ، فتصير مشاهدة. ثمّ إن كانت شديدة المناسبة ، لذلك المعنى ، بحيث لا يكون التّفاوت إلّا بالكلّيّة والجزئيّة ، استغنت الرّؤيا عن التّعبير ، وإلّا احتاجت إليه.
وإنّما عدّي كاد باللّام ـ وهو متعدّ بنفسه ـ لتضمينه معنى فعل يعدّى به ، تأكيدا. ولذلك أكّد بالمصدر ، وعلّله بقوله :
(إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥) : ظاهر العداوة ، لما فعل بآدم وحوّاء. فلا يألوا جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم ، حتّى يحملهم على الكيد.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : [أنّه كان من خبر يوسف أنّه] (٣) كان له أحد عشر أخا. وكان له من أمّه أخ واحد يسمّى «بنيامين». وكان يعقوب إسرائيل الله ـ أي : خالص الله ـ ابن إسحاق نبيّ الله ابن إبراهيم خليل الله. فرأى يوسف هذه الرّؤيا وله تسع سنين. فقصّها على أبيه. فقال يعقوب : (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ) (الآية).
واعلم أنّ (٤) ما دلّ عليه هذا الحديث من كون يوسف وبنيامين من أمّ واحدة ، هو المشهور رواه العيّاشيّ وغيره (٥) ، إلّا أنّ العيّاشيّ (٦) روى رواية أخرى بأنّه ابن خالته. وفي
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٧.
(٢) تفسير القميّ ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.
(٣) من المصدر.
(٤) ليس في أ ، ر.
(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٨٤ ، ضمن ح ٤٥ ، وتفسير القمّي ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، وأمالي الصدوق / ٢٠٦ ، ضمن ح ٧.
(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٩٧ ، ذيل ح ٨٤.