في الأرض إلّا أربعة.
... إلى أن قال : وأمّا يوسف فملك مصر وبراريّها ، ولم يتجاوزها إلى غيرها.
(وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) : الكتب. أو الرّؤيا.
و «من» ـ أيضا ـ للتّبعيض ، لأنّه لم يؤت كلّ التّأويل.
وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسيّ ـ رضي الله عنه ـ : عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال : إنّ يهوديا من يهود الشّام وأحبارهم [جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفيهم عليّ] (٢) قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فإنّ هذا يوسف قاسى (٣) مرارة الفرقة ، وحبس في السّجن توقّيا للمعصية ، وألقي في الجبّ وحيدا.
فقال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قاسى مرارة الغربة وفراق الأهل والأولاد والمال ، مهاجرا (٤) من حرم الله ـ تعالى ـ وأمنه. فلمّا رأى الله ـ عزّ وجلّ ـ كآبته (٥) واستشعاره الحزن أراه ـ تبارك وتعالى ـ رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها ، وأبان للعالمين صدق تحقيقها ، فقال : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) (٦).
ولئن كان يوسف حبس في السّجن ، فلقد حبس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نفسه في الشّعب ثلاث سنين ، وقطع منه أقاربه وذووا الرّحم وألجأوه إلى أضيق (٧) المضيق ، ولقد كادهم الله ـ عزّ وجلّ ـ كيدا مستبينا إذ بعث أضعف خلقه فأكد عهدهم الّذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه (٨).
ولئن كان يوسف القي في الجبّ ، فلقد حبس محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ نفسه مخافة عدوّه في الغار حتّى قال لصاحبه : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (٩) ومدحه الله بذلك في كتابه.
__________________
(١) الاحتجاج ١ / ٣١٤ ـ ٣٢٠.
(٢) من المصدر.
(٣) قاسى : تحمّل.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فهاجر.
(٥) الكآبة : الغمّ والحزن.
(٦) الفتح / ٢٧.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الضيق.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : «قطيعته» بدل «قطيعة رحمه».
(٩) التوبة / ٤٠.