والمصلحة ، فينتفع به أنواع المنافع ، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه (١) ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنيّ والآبار ، وبالفلزّ الّذي ينتفع به في صوغ الحلي واتّخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدّة متطاولة. والباطل في قلّة نفعه وسرعة زواله بزبدهما ، وبيّن ذلك بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) : يجفأ به ، أي : يرمي به السّيل أو الفلزّ المذاب.
وانتصابه ، على الحال.
وقرئ (٢) : «جفالا» ، والمعنى واحد. يقال (٣) : جفأت القدر بزبدها ، وأجفأ السيل وأجفل.
(وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) : كالماء وخلاصة الفلزّات.
(فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) : ينتفع به أهلها.
(كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧)) : لإيضاح المشتبهات.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : يقول : أنزل الحقّ من السماء فاحتمله (٥) القلوب بأهوائها ، ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشّكّ على قدر شكّه ، فأحتمل الهوى باطلا كثيرا أو جفاء ، فالماء هو الحقّ ، والأودية هي القلوب ، والسّيل هو الهوى. والزّبد وخبث الحلية هو الباطل ، والحلية والمتاع هو الحقّ. من أصاب الحلية والمتاع في الدّين (٦) انتفع به ، وكذلك صاحب الحقّ يوم القيامة ينفعه. ومن أصاب الزّبد وخبث الحلية في الدّنيا لم ينتفع به ، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به.
وفي كتاب الاحتجاج (٧) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : قد بيّن الله قصص المغيّرين فضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الّذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحلّ ويبطل ويتلاشى عند التّحصيل. والّذي ينفع النّاس منه ، فالتّنزيل الحقيقيّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله. والأرض في هذا الموضع. فهي
__________________
(١) المنافع ـ جمع منقع ـ : وهو المستنقع ، أو البحر.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥١٨ ، والكشاف ٢ / ٥٢٣.
(٣) الكشاف ٢ / ٥٢٣.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٦٢.
(٥) المصدر : فاحتملته.
(٦) تفسير الصافي ٣ / ٦٥ : الدنيا.
(٧) الاحتجاج ١ / ٣٧١.