ونحن نطلقها على ما جاء ولا نكيّفها » (١).
هذه العبارات ونظائرها التي ملأ بها مؤلّف « علاقة الاثبات والتفويض » كتابه المنشور في مهد الدعوة السلفية ، ترمي إلى أحد الأمرين : إمّا التجسيم والتشبيه وإمّا تعطيل العقول عن معرفة الكتاب العزيز ، فانّ اليد والوجه والرجل موضوعات في اللّغة العربية للأعضاء الخاصّة ، فإن اُريد منها المعنى الحقيقي وهو الذي يطلق عليه المعنى الكيفي ، فيلزم التشبيه ، وإن اطلق عليه بلا هذا القيد ، فيلزم التأويل ، وهم يفرّون منه فرار المزكوم من المسك ، فإنّ القول بأنّ له سبحانه وجهاً بلا كيف مهزلة وشعار خادع ، إذ ليس هما معنى ثالث تلتجئ إليه السلفية فالأمر يدور بين اثنين ، وثالثهما غير متصوّر.
١ ـ اليد بما له من الكيفيّة الخاصّة فيلزم منه التشبيه.
٢ ـ تأويله بالمعنى المجازي فيكون كناية عن القوّة والقدرة.
وأمّا الثالث أعني الوجه بلا كيف ، فهو أشبه بأسد لا ذنب له ولا رأس ولا ...
فإنّ واقعية اليد قائمة بكيفيّتها ، فسلب الكيفية سلب لحقيقتها ، فلا يمكن حفظ أصله ورفض كيفيّته ، فحذف الكيفيّة يلازم حذف أصل المعنى فقوامه بكيفيتها وعماده وسناده نفس هوّيتها الخارجية.
وأظن ـ وظن الألمعي صواب ـ : إنّ هٰؤلاء هم المشبّهة والمجسّمة ولكنّهم يخجلون من التفوّه بالتجسيم فيأتون به في قوالب خدّاعة ، وعبارات معقّدة ، أو أنّهم هم المعطّلة فإنّ امرار الصفات واثباتها على حسب ما جاء في الكتاب بلا توضيح لما يراد منه ، نفس التعطيل أي تعطيل العقول عن المعارف ، فهم بين مجسّمة تخفي عقيدتها ، أو معطّلة لا تريد الرقي من سلّم المعارف درجة ، فتكتفي بالألفاظ ولقلقة اللسان.
__________________
(١) فتح الباري ج ١٣ ص ٤١٧.