٤ ـ ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَٰؤُلاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ) ( الأنبياء / ٩٨ و ٩٩ ) والاية تستدل بورود الأصنام والأوثان في النار على كونها غير آلهة إذ لو كانت آلهة ما وردت النار.
والاستدلال إنّما يتم لو فسّرنا الآلهة بما أشرنا إليه فانّ خالق العالم أو مدبّره والمتصرّف فيه أو من فوّض إليه أفعال الله أجلّ من أن يحكم عليه بالنار وأن يكون حصب جهنّم.
وهذا بخلاف ما إذا جعلناه بمعنى المعبود فلا يتم البرهان لأنّ المفروض انّها كانت معبودات وقد جعلت حصب جهنم. ولو أمعنت في الآيات التي ورد فيها لفظ الإله والآلهة لقدرت على استظهار ما اخترناه وإليك مورداً منها :
( فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ ) ( الحج / ٣٤ ).
فلو فسر الإله في الآية بالمعبود لزم الكذب ، إذ المفروض تعدّد المعبود في المجتمع البشري ، ولأجل هذا ربّما يقيّد الإله هنا بلفظ « الحق » أي المعبود الحق إله واحد. ولو فسّرناه بالمعنى البسيط الذي له آثار في الكون من التدبير والتصرّف وايصال النفع ، ودفع الضر على نحو الاستقلال لصحّ حصر الإله ـ بهذا المعنى ـ في واحد بلا حاجة إلى تقدير كلمة بيانية محذوفة إذ من المعلوم أنّه لا إله في الحياة البشرية والمجتمع البشري يتصف بهذه الصفات التي ذكرناها.
ولا نريد أن نقول : إنّ لفظ الاله بمعنى الخالق المدبّر المحيي المميت الشفيع الغافر ، إذ لا يتبادر من لفظ الإله إلاّ المعنى البسيط ، بل هذه الصفات عناوين تشير إلى المعنى الموضوع له لفظ الإله ، ومعلوم أنّ كون هذه الصفات عناوين مشيرة إلى ذلك المعنى البسيط ، غير كونها معنى موضوعاً للفظ المذكور كما أنّ كونه تعالى ذات سلطة على العالم كلّه أو بعضه سلطة مستقلة غير معتمدة على غيره ، وصف مشير إلى المعنى البسيط الذي نتلقاه من لفظ الإله ، لا أنّه نفس معناه (١).
__________________
(١) لاحظ الجزء الأول من مفاهيم القرآن ص ٤٤٠ ـ ٤٤٢.