ظاهر الكلام ، فإذا أيّدت القرائن كون المراد هو الاستيلاء فالتفسير بالاستقرار تأويل بلا دليل لا العكس كما هو المعروف في كتب أهل الحديث والحنابلة.
أظنّ أن ّهذا البيان يقنع القارئ في أنّ المراد هو الإستيلاء لا الإستقرار ولو فرضنا أنّه في ريب وتردّد في اختيار أحد المعنيين فنأتي بمثال يقرّب إليه المطلوب وهو :
إذا بلغ طبيب في فنّ الجراحة مقاماً عظيماً فأخذ يصف أعماله العجيبة في ذلك المجال ويقول : إنّي قمت بعمل كذا وكذا فيذكر إبداعاته واعجازاته العلميّة أفيصح أن يرتجل في اثناء هذه المذاكرة ويقول : إنّي مستقرّ على عرشي في بيتي ، ولو تكلّّم بذلك يعدّ كلامه غير منسجم ، فيقول المخاطب في نفسه : أيّ صلة بين ما قام به من الأعمال العجبية في مجال الجراحة وبين استقراره على السرير في بناء رفيع.
وهذا بخلاف ما إذا كان جميع الجمل مربوطة إلى عمله وفعله في الموضوع الذي أخذ بتفسيره وبيانه ، وبهذا المثال تقدر على تقييم المعنى الذي لم يزل يسيطر على ذهن القشريين من الحنابلة وأهل الحديث ، إذ أيّ مناسبة بين هذه الأفعال العجيبة واستقراره على العرش وجلوسه على السرير وان كانت الكيفية مجهولة ، وأمّا إذا قلنا : بأنّ المراد استيلاؤه على صحيفه الكون وانّ الخلق ما أوقعه في التعب واللغوب (١) ولم يضعفه عن القيام بأمر التدبير بشهادة استيلائه عليه ، تكون الجمل مترابطة متناسبة.
__________________
(١) اشارة الى قوله سبحانه : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) ( ق / ٣٨ ) اقرأ هذه الآية وراجع التوراة. ترى أنّه يقول في سفر التكوين : الإصحاح الثاني : وفرغ في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدّسه لأنّه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا.