التعلّق والقيام في الممكنات نفس حقيقتها وواقعها ، فلا يمكن لها الغيبة عن الله سبحانه ولا العزلة عنه ، وإن أردت تقريب هذا في ضمن مثال فنقول :
إنّ النفس فاعل إلهي وفعله مثال لفعله سبحانه ، فالنفس هي مصدر الصور الذهنيّة ومبدعها وليست الصور منعزلة عن النفس مباينة عنها ، بل لها مع الصور معيّة قيوميّة تحيط بها ، ولا تحلّ فيها ولا يربط النفس بأفعالها إلاّ بإحاطتها عليها مع أنّ لها مقاماً آخر ليس للصور فيها شأن ودخل.
قال الإمام الطاهر موسى بن جعفر : « إنّ الله تبارك وتعالى ، لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، ولا يخل في مكان ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ، ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا ، ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعال » (١).
ولعلّه إليه ينظر قول ابن العربي في خصوصه :
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّداً |
|
وإن قلت بالتشبيه كنت محدّداً |
وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً |
|
وكنت إماماً في المعارف سيّداً |
فإيّاك والتشبيه إن كنت ثابتاً |
|
وإيّاك والتنزيه إن كنت مفرداً |
والمراد من التنزيه هو تصوّر العزلة والبينونة الكاملة الّتي تستلزم استقلال الممكن ، وغناء عن الواجب كما عرفت.
__________________
(١) التوحيد للصدوق : ص ١٧٩.