( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) ( الأنبياء / ٢٤ ).
كلّ ذلك يعرب عن عناية القرآن بتفهيم الإنسان المعارف والاصول التي هي خارجة عن اطار الحسّ والمادّة بقناعة كاملة لا بلقلقة اللسان.
إنّ هناك اُصولاً يعتقدبها الالهيّون وفي مقدّمتهم المسلمون البارعون ، عن طريق العقل والبرهنة ، ولا يمكن للعلوم الطبيعيّة أن تساعدهم في فهمها ولا أن تهدي إليها البشر. كالبحث من انّ المصدر لهذا العالم والمبدئ له ، أزلي أو حادث ، واحد أو كثير ، بسيط أو مركّب ، جامع لجميع صفات الجمال والكمال أم لا ؟ هل لعلمه حدّ ينتهى إليه أم لا ؟ هل لقدرته نهاية أم لا ؟ هل هو أوّل الأشياء وآخرها أم لا ؟ هل هو ظاهر الأشياء وباطنها أم لا ؟
فالاعتقاد بهذه المعارف عن طريق العلوم الطبيعية والحسّية غير ممكن والاعتماد على الوحي للتعرف عليها غير مقدور لكلّ إنسان ، مضافاً إلى أنّه يجب معرفتها قبل معرفة النبي فكيف يتعرّف عليها عن طريق النبي والوحي المنزل.
وثالثا : نرى أنّه سبحانه يذكر الفؤاد إلى جانب السمع والبصر.
ويقول :
( وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( النحل / ٧٨ ).
والمراد من الشكر في ذيل الآية صرف النعمة في مواضعها فشكر السمع والبصر هو ادراك المسموعات والمبصرات بهما ، وشكر الفؤاد هو درك المعقولات وغير المشهودات به ، فالآية تحّرض على استعمال الفؤاد والقلب والعقل في ما هو خارج عن اطار الحسّ وغير واقع في متناول أدواته ، ولأجل ذلك يتّخذ القرآن في بعض المجالات موقف المعلّم فيعلّم المجتمع البشري كيفية البرهنة العقليّة على