هناك وجوداً أكمل ومعلوماً أتمّ يكون العلم به أتمّ أنواع العلم بهذه الوجودات الصادرة منه.
إن قلت : كيف يصحّ أن يقال إنّ النحو الأدنى من كلّ وجود ، معلوم له سبحانه في الأزل حسب الفرض إذ كيف يصير النحو الأعلى من كلّ وجود ، والنحو الأظهر من كلّ تحقّق ، علماً بالنحو الأدنى ، مع أنّ النحو الأدنى من كلّ وجود لا يكون موجوداً في الأزل.
غير أنّ الاجابة عن هذا السؤال ، بعد التوجّه إلى ما مثّلنا من حديث « الملكة » واضح فإنّ العلم بتمام الشيء وكماله ، علم بمراتبه النازلة مثل كون العلم بالإنسان الذي هو عبارة عن الحيوان الناطق نفس العلم بالمراتب التالية من النبات والجماد.
وحينئذ يكون الوجود بالنحو الأعلى نفس التحقق للوجود الأدنى مع كمال آخر ، وجمال زائد.
وعلى ذلك فالمعلوم الامكاني ، وان لم يكن في الأزل بخصوصيّاته وتفاصيله لكنّه كمال وجوده وتمام تحقّقه موجود في الأزل بوجوده سبحانه فهو سبحانه ـ ببساطته ـ جميع الكمالات والجمالات ، والعلم بالذات لا ينفك عن العلم بتلك الكمالات التي لا تنفك عن العلم بما صدر عنه من الكمالات.
قال صدر المتألّهين :
لمّا كان وجوده تعالى وجود كلّ الأشياء ـ لما حققنا سابقاً من أنّ البسيط الحقيقي من الوجود يجب أن يكون كلّ الأشياء ـ فمن عقل ذلك الوجود عقل جميع الأشياء ، وذلك الوجود هو بعينه عقل لذاته ، وعاقل ، فواجب الوجود عاقل لذاته بذاته ، فعقله لذاته عقل لجميع ما سواه ، وعقله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه ، فعقله لجميع ما سواه سابق على جميع ما سواه ، فثبت أنّ علمه تعالى بجميع الأشياء حاصلة في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه فهذا هو العلم الكمالي التفصيلي بوجه والاجمالي بوجه ، وذلك لأنّ المعلومات على كثرتها وتفصيلها