واحتج من أنكر افادته العلم بأن المطلوب ان كان معلوما استحال طلبه ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، وان كان مجهولا فكذلك ، لان ما لا يعلم لا يطلب.
والجواب : انه معلوم من وجه دون وجه ، وليس المطلوب هو الوجهان حتى يرد الاشكال ، بل الماهية المتصفة بالوجهين.
اقول : قد عرفت أن صحة النظر انما تكون بصحة المقدمات والترتيب ، فاعلم الآن أن الناس اختلفوا في أن النظر الصحيح هل يفيد العلم أم لا؟ فذهب السمنية ـ وهم حكماء الهند ـ الى أن النظر لا يفيد العلم أصلا ، وان المفيد ليس الا الحس.
وذهب قوم من المهندسين الى أنه غير مفيد في اللاهيات ، وزعموا أن الغاية فيها القول بالاولى والاحسن ، لا على الجزم فانه غير ممكن فيها ، وقصروا افادة العلم في الرياضيات ، كالحساب والهندسة لا غير.
وأطبق المحققون من الحكماء وغيرهم على بطلان قول الفريقين معا ، فانا اذا علمنا أن العالم حادث ، وأن كل حادث مفتقر الى المؤثر ، فانا نعلم قطعا أن العالم مفتقر الى المؤثر ، لان كبرى هذا القياس دلت على أن الافتقار ثابت لكل حادث ، وصغراه دلت على أن الحادث ثابت للعالم ، فيكون الافتقار ثابتا للعالم ، لان الثابت للثابت للشيء ثابت لذلك الشيء قطعا ، وهذه مسألة الإلهية. وقد بان كون النظر فيها مفيدا للعلم ، فيبطل بها قول الفريقين معا.
احتجت السمنية على مذهبهم بأن النظر لو أفاد العلم للزم اما تحصيل الحاصل أو استعلام المجهول المطلق ، وهما محالان. بيان الملازمة : أن المطلوب بالنظر اما أن يكون معلوما أو مجهولا ، فان كان معلوما [كان تحصيل الحاصل] والفرض أن الحاصل من النظر هو ذلك المعلوم ، فيكون تحصيلا للحاصل ، وان كان مجهولا كان طلبا للمجهول المطلق وهو محال ، لانه لا يعلم هو