فالمؤثر فيها ان كان خارجا عنها كان واجبا وهو المطلوب ، وان كان جزئها لزم تقدم الشيء على نفسه بمراتب لا يتناهى ، لان المؤثر في الجملة مؤثر في آحادها التي من جملتها المؤثر نفسه ، وعلله التي لا تتناهى.
اقول : التسلسل هو عبارة عن وجود ما لا يتناهى من الاعداد. واتفق الحكماء والمتكلمون على أنه باطل في الجملة ، الا أن المتكلمين عندهم أن كل عدد فرض غير متناه فانه باطل ، لانه قابل للزيادة والنقصان ، وكلما كان قابل للزيادة والنقصان فهو متناه.
وأما الحكماء فشرطوا لبطلانه حصول أمرين :
الاول : أن يكون آحاده موجودة معا.
الثاني : الترتيب بين الآحاد : اما الترتيب الوضعي كما في الاجسام والمقادير ، أو الترتيب الطبيعى كما في العلل والمعلولات. وكلما لا يجتمع فيه هذان الامران لم يحكموا ببطلانه ، وجوّزوا عدم تناهيه وان حصل فيه أحدهما دون الاخر.
وكذلك جوزوا في الحركات الفلكية عدم التناهي ، وان كانت ذات أجزاء مترتبة ، لعدم اجتماع أجزائها في الوجود. وكذا النفس (١) جوزوا عدم تناهيها لعدم الترتيب لكلا معنييه فيها ، لعدم كون بعضها علة لبعض ، وعدم تحيزها ، فليس لها ترتيب طبيعى ولا وضعي وان كانت اجزاؤها مجتمعة في الوجود.
اذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف استدل على بطلان التسلسل الذي اجتمع هذان الشرطان فيه ولهذا قال : ولا يمكن تسلسل العلل والمعلولات. ولم يتعرض لغيره ، لان مقصوده ابطال التسلسل الذي يتوقف عليه اثبات واجب الوجود.
وتقريره ما ذكره : أنه لا يمكن تسلسل العلل والمعلولات ، لانه لو أمكن ذلك
__________________
(١) فى «ن» : النفوس.