يصدر عنه ذلك الفعل بعينه وله داع الى الطرفين ، أو مع امتناع أن لا يصدر عنه ذلك الفعل أيضا بعينه ولا داعي له الى الطرفين. فالاول هو الفاعل المختار كالانسان في حركاته المنسوبة إليه من قيامه وقعوده وأمثالهما.
والثاني هو الموجب ، كالنار في احراقها والشمس في اشراقها. فظهر الفرق بين المختار والموجب من وجوه :
الاول : ان المختار يمكنه الفعل والترك بالنسبة الى فعل واحد ، والموجب بالنسبة الى فعلين.
الثاني : ان المختار يجوز تأخر فعله عنه ، والموجب يمتنع تأخر فعله عنه.
الثالث : وجوب كون المختار عالما بفعله ، بخلاف الموجب.
واعلم أنه قد اشتهر بين القوم ـ أعني المتكلمين ـ أن الفلاسفة قائلين بايجاب الله تعالى بالمعنى المذكور ، والمحققون ينفون صحة هذا النقل عنهم ويقولون بأنهم يقولون باختياره تعالى.
وقد حقق المحقق الطوسي ـ قدس الله نفسه ـ موضع الخلاف بين الفريقين في تصانيفه وقال : ان الحكماء يقولون كل فاعل فعل بإرادة مختار ، سواء قارنه فعله في زمانه أو تأخر عنه.
وموضع الخلاف بين الحكماء والمتكلمون في الداعي ، وذلك لان الحكماء يجوّزون تعلق الداعي بالموجود ، ومع انضمامه الى القدرة يجب وقوع الفعل وحيث القدرة والداعي أزليان فالفعل أزلي ، فمن ثم قالوا بقدم العالم.
والمتكلمون يقولون انه لا يدعو الا الى معدوم ليصدر عن الفاعل وجوده بعد الداعي بالزمان أو تقدير الزمان ، ويقولون ان هذا الحكم ضروري ، اذ لو دعى الى الموجود لزم تحصيل الحاصل ، وهو محال.
اذ تقرر هذا فنقول : استدل المصنف على كونه تعالى مختارا بما تقريره :