قوله «وكلما يتوقف عليه التأثير في وجود العالم ان كان قديما لزم التقدم» قلنا : ممنوع ، وإليه أشار بقوله «والملازمة الثانية ممنوعة ، لان ذلك انما يتم في حق الموجب ، أما في حق المختار فلا» اذ لا يلزم من وجود القادر المختار وجود أثره معه ، لجواز أن يخصصه بوقت دون وقت لا لامر ، بخلاف العلة الموجبة التي لا يجوز تخلف أثرها عنها.
قوله «يلزم استغناء العالم عن المؤثر الخ» قلنا : ممنوع ، فان ترجيح أحد الطرفين المتساويين على الاخر من غير مرجح محال ، وذلك يلزم من تجويزه انسداد باب اثبات الصانع ، أما ترجيح الفاعل المختار أحد طرفي فعله على الاخر لا لمرجح فلا نسلم أنه محال ، وسنده الا مثلة التي توردها المشايخ ، وهي الجائع الذي يحضره رغيفان متساويان ، والعطشان الذي يحضر اناء آن متساويان ، والهارب الذي يحضره طريقان متساويان ، فانه يختار أحدهما على الاخر ، مع أنه لا تخصيص (١) هناك ، لان المخصص هو العلم بمزية أحدهما على الاخر ، والعلم منتف ، فالمخصص منتف ، والمزية في نفس الامر لا يصلح للمخصصية ، هذا تقرير ما ذكره المصنف من الجواب ، وهو جواب البصريين من المعتزلة.
وفيه نظر ، لان الضرورة قاضية ببطلان الترجيح من غير مرجح مطلقا ، والامثلة المذكورة لا تنفع هنا ، اذ عدم العلم بالمخصص لا ينفي المخصص مطلقا ، مع أنا نمنع عدم المخصص في تلك المواضع ، اذ ميل الفاعل فيما ذكروه الى أحدهما صالح للتخصيص.
وحينئذ نقول في الجواب عن أصل الشبهة : انا نختار افتقاره الى المخصص وهو العلم الازلي باشتمال الفعل على مصلحة لا تحصل الا في ذلك الوقت ،
__________________
(١) فى «ن» : مخصص.